الشرح:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ..}. إلخ: أي: نريد أن نتفضل على بني إسرائيل الذين استضعفهم فرعون، واستذلهم. والتعبير بالمضارع حكاية حال مضت، كما هو الواقع، فإن التقدير: وأردنا أن نمن، وقل مثله إلى آخر الآية التالية. هذا؛ والإرادة: نزوع النفس، وميلها إلى الفعل بحيث يحملها عليه. ويقال للقوة التي هي مبدأ النزوع، والأول مع الفعل، والثاني قبله، وكلا المعنيين غير متصور اتصاف الباري تعالى به، ولذا اختلف في معنى إرادته سبحانه وتعالى، فقيل: إرادته لأفعاله: أنه غير ساه، ولا مكره.. ولأفعال غيره أمره بها، فعلى هذا لم تكن المعاصي بإرادته.
وقيل: علمه باشتمال الأمر على النظام الأكمل، والوجه الأصلح. وهذا الأخير هو المقبول؛ لأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر. هذا؛ ولم يرد لفعل الإرادة، ولا لفعل المشيئة أمر فيما أعلم، فهما ناقصا التصرف، وقد كثر حذف مفعول هذين الفعلين؛ حتى لا يكاد ينطق به إلا في الشيء المستغرب، مثل هذه الآية، وقوله تعالى:{لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا} وقال الشاعر الخزيمي: [الطويل]
فلو شئت أن أبكي دما لبكيته... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع
وقيد بعضهم حذف مفعول هذين الفعلين بعد «لو»، وليس كذلك.
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} أي: رؤساء يقتدى بهم في الخيرات، وأعمال الطاعات. وقيل: نجعلهم ملوكا. وهو غير مسلم. هذا؛ و {أَئِمَّةً} جمع: إمام، سمي بذلك؛ لأنه يؤتم به في الأفعال، فهنيئا لمن كان إماما في الخير، وويل لمن كان إماما في الشر. هذا؛ والفعل (نجعل) بمعنى:
نصير، فلذا تعدى إلى مفعولين، فإن كان بمعنى: خلق تعدى إلى مفعول واحد، نحو قوله تعالى:{وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} أي: وخلق الظلمات، والنور، وخلق إذا كان بمعنى: صير؛ تعدى إلى مفعولين، نحو قوله تعالى:{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} وإن كان بمعنى: اخترع، وأحدث؛ تعدّى إلى مفعول واحد، وهو كثير. هذا؛ والفرق بين: خلق وجعل الذي له مفعول واحد: أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين، ولذا عبر سبحانه في كثير من الآيات عن إحداث الظلمات، والنور بالجعل، فقال:{وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما، كما زعمت المجوس، بخلاف الخلق، فإن فيه معنى الإيجاد، والإنشاء، ولذا عبر سبحانه في كثير من الآيات عن إيجاد السموات والأرض بالخلق.