للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠)}

الشرح: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها:} وهذا من فضله تعالى؛ حيث لا يعاقب في الآخرة إلا بمقدار السيئة التي يعملها العبد عدلا منه تعالى، وفيه دليل على أن الجنايات تغرم بمثلها. والمراد: بالسيئة: الشرك، وغيره من المعاصي والمنكرات؛ التي يرتكبها العبد، وتقييد القرطبي لها بالشرك لا وجه له. وأصل {سَيِّئَةً} (سيوئة) فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. {وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً..}. إلخ: فهذا تصريح من العلي القدير: أن الأنثى مثل الذكر بالمجازاة على عمل الخير، وكذلك بالمجازاة على عمل الشر، وقوله تعالى: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} تصريح بأن العمل الصالح بدون إيمان غير مقبول عند الله، وهذا يسمى في فن البديع احتراسا، والعكس هو الصحيح أيضا بأن الإيمان بدون عمل قد لا يجدي؛ لأن الله تعالى لم يذكر الإيمان؛ إلا ويذكر العمل الصالح معطوفا عليه، وهو كثير في الآيات القرآنية، لا يعد، ولا يحصى.

{فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} أي: أولئك المحسنون العمل يدخلون جنات النعيم، ويعطون جزاءهم بغير تقدير، بل أضعافا مضاعفة فضلا من الله وكرما، لا يتقدر بجزاء، بل يثيبه الله ثوابا كثيرا لا انقضاء له، ولا نفاد، وبغير ميزان، وبغير مكيال. قال تعالى في سورة (النساء) رقم [٤٠]: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}.

الإعراب: {مَنْ:} اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {عَمِلَ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى {مَنْ} تقديره: «هو».

{سَيِّئَةً:} مفعول به. {فَلا:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (لا): نافية. {يُجْزى:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره: «هو» يعود إلى {مَنْ} وهو المفعول الأول. {إِلاّ:} حرف حصر. {مِثْلَها:}

مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول لا محل لها، وخبر المبتدأ الذي هو {مَنْ} مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط. وقيل: جملة الجواب. وقيل: هو الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين. هذا؛ وإن اعتبرت {مَنْ} موصولة فالجملة بعدها صلتها، وخبرها جملة: {فَلا يُجْزى..}. إلخ، واقترنت بالفاء لأن الموصول يشبه الشرط في العموم، والجملة الاسمية على الوجهين مستأنفة، لا محل لها.

{وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً:} إعرابه مثل سابقه بلا فارق. {مِنْ ذَكَرٍ:} متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، و {مَنْ} بيان لما أبهم في (من). {أُنْثى:} معطوف على: {ذَكَرٍ} مجرور مثله، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الاسمية: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}

<<  <  ج: ص:  >  >>