للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦)}

الشرح: {عالِمُ الْغَيْبِ:} الغيب: ما غاب عن العباد، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٢] من سورة (الملك). {فَلا يُظْهِرُ:} فلا يطلع. {عَلى غَيْبِهِ} أي: على الغيب المخصوص به علمه. {أَحَداً:} من الناس.

هذا؛ و «أحد» أصله: وحد؛ لأنه من الوحدة، فأبدلت الواو همزة، وهذا قليل في المفتوحة، إنما يحسن في المضمومة والمكسورة، مثل قولهم في وجوه: أجوه، وفي وسادة: إسادة، وهو مرادف للواحد في موضعين: أحدهما: وصف الباري جل علاه، فيقال: هو الواحد، وهو الأحد. والثاني: أسماء العدد، فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون. وفي غير هذين الموضعين يفرق بينهما في الاستعمال، فلا يستعمل أحد إلا في النفي، وهو كثير في الكلام، أو في الإثبات مضافا، كما في قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} بخلاف الواحد، وقولهم: «ما في الدار أحد»، هو اسم لمن يعقل، ويستوي فيه المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث. قال تعالى: {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ} رقم [٣٢] من سورة (الأحزاب)، وقوله جل ذكره في سورة (الحاقة) رقم [٤٧]: {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ}.

هذا؛ و «أحد» أكمل من الواحد، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان لا يقوم له واحد؛ جاز في المعنى أن يقوم له اثنان، فأكثر، بخلاف قولك: لا يقوم له أحد. وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد، تقول: ليس في الدار أحد، فيجوز ألا يكون في الدار الدواب، والطير، والوحش، والإنس، فيعم الناس، وغيرهم، بخلاف ليس في الدار واحد، فإنه مخصوص بالآدميين.

ويأتي «الأحد» في كلام العرب بمعنى الواحد، فيستعمل في النفي، والإثبات، نحو قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} أي: واحد، وقوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [١٩]: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} أي: واحدا منكم، وبغير معنى الواحد، فلا يستعمل إلا في النفي، تقول: ما جاءني من أحد، ومنه قوله تعالى في سورة (البلد): {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} و «واحد» يستعمل فيهما مطلقا، و «أحد» يستعمل في المذكر، والمؤنث، كما رأيت في آية (الأحزاب)، بخلاف الواحد، فلا يقال: كواحد من النساء، بل كواحدة، و «أحد» يصلح للإفراد، والجمع، ولهذا؛ وصف به في آية (الحاقة) المتقدمة، بخلاف الواحد. و «الأحد» له جمع من لفظه، وهو: الأحدون، والآحاد، وليس للواحد جمع من لفظه، فلا يقال: واحدون، بل اثنان، وثلاثة. و «الأحد» ممتنع من الدخول في شيء من الحساب، بخلاف الواحد، فتلخص من ذلك سبعة فروق. انتهى.

الإعراب: {عالِمُ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو عالم، وأجيز اعتباره بدلا من {رَبِّي،} أو عطف بيان له، وقرئ بنصبه على المدح بفعل محذوف، و {عالِمُ} مضاف،

<<  <  ج: ص:  >  >>