للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جواب القسم على جره كما رأيت، أو في محل نصب حال من الضمير المستتر في (ربّ) على نصبه، والكلام مستأنف، أو معترض بين الجمل المتعاطفة. {فَاتَّخِذْهُ:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك هو الشأن، والحال؛ فاتخذه. (اتخذه):

فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت»، والهاء مفعول به أول. {وَكِيلاً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب‍: «إذا».

{وَاِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاُهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠)}

الشرح: {وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ} أي: اصبر على أذى هؤلاء السفهاء المكذبين فيما يتقولونه عليك من قولهم: ساحر، شاعر، مجنون. {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً:} الهجر الجميل: هو الذي لا أذية معه، وقال تعالى في سورة (المعارج): {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} والصبر الجميل: هو الذي لا شكاية معه. وقال تعالى في سورة (الحجر) رقم [٨٥]: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} والصفح الجميل:

هو الذي لا عتاب معه. وما في الآية ونحوه كان قبل أن يؤمر بالقتال، ثم أمر صلّى الله عليه وسلّم بقتالهم وقتلهم، والحكمة في هذا: أن المؤمنين كانوا بمكة قلة مستضعفين، فأمروا بالصبر، وبالمجاهدة الكلامية؛ حتى يعدوا أنفسهم بهذه التربية الروحية على مناجزة الأعداء، وحتى يكثر عددهم، فيقفوا في وجه الطغيان، أما قبل الوصول إلى هذه المرحلة، فينبغي الصبر، والاقتصار على الدعوة باللسان، وهذا ما حصل، فبعد الهجرة إلى المدينة المنورة صار المسلمون أهلا للمناجزة، وحمل السلاح في وجه الكفار، كما في غزوة بدر الكبرى، وغيرها.

بعد هذا؛ فالصبر: حبس النفس عن الجزع عند المصيبة، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش، وهو مرّ المذاق لا يكاد يطاق، إلا أنه حلو العواقب، يفوز صاحبه بأسنى المطالب، كما قال القائل: [البسيط]

الصّبر مثل اسمه مرّ مذاقته... لكن عواقبه أحلى من العسل

وبالجملة فنفع الصبر مشهور، والحض عليه في الكتاب والسنة مقرر مسطور، وهو على ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على البلاء. ولا تنس: أن من أسماء الله تعالى الصبور، وفسر بالذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الرعد) رقم [٢٢]: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} أي: طلبا لمرضاته، وهذا هو الصبر المحمود، وهو أن يكون الإنسان صابرا لوجه الله تعالى، راضيا بما نزل به من الله، طالبا بذلك الصبر ثوابه من الله تعالى، محتسبا أجره على الله، فهذا هو الصبر الذي يدخل صاحبه رضوان الله، وأما إذا صبر الإنسان؛ ليقال: ما أكمل صبره، وما أشد قوته على تحمل النوائب، أو يصبر؛ لئلا يعاب على الجزع، أو يصبر؛ لئلا تشمت به الأعداء، فهذا كله مذموم، لا ينيل صاحبه الدرجات العلى، والمقام الرفيع عند الله، وقد يعرضه لشديد غضب الله، ونقمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>