للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السكون في محل رفع مبتدأ. (لا:) نافية. {يَعْقِلُونَ:} مضارع، والواو فاعله. والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها، على الاعتبارين فيها. هذا؛ ومن الغريب: أنّ الواحدي في كتابه (البسيط) قد اعتبر {إِلاّ} زائدة في هذه الآية، وأنشد عليه قول الفرزدق: [الطويل]

هم القوم إلاّ حيث حلّوا سيوفهم... وضحّوا بلحم من محلّ ومحرم

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاُشْكُرُوا لِلّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)}

الشرح: نادى الله عباده المؤمنين في هذه الآية بأكرم وصف، وألطف عبارة، أي: يا من صدقتم الله، ورسوله، وتحليتم بالإيمان الذي هو زينة الإنسان! وقد خاطب الله عباده المؤمنين بقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} في ثمانية وعشرين موضعا من القرآن، ونداء المخاطبين باسم المؤمنين يذكرهم بأن الإيمان يقتضي من صاحبه أن يتلقّى أوامر الله، ونواهيه بحسن الطاعة، والامتثال، وإنما خصّهم الله بالنداء؛ لأنهم هم المستجيبون لأمره، المنتهون عما نهى الله عنه؛ إذ الغالب أن يتبع هذا النداء بأمر، أو بنهي.

{كُلُوا:} الأمر مستعمل في كلّ من الوجوب، والندب، والإباحة، الأول: إذا كان لقيام البدن، والثاني: كالأكل مع الضّيف، والثالث: في غير ما ذكر. انتهى جمل بتصرف. وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم تعالى، وأن يشكروه تعالى على ذلك؛ إن كانوا عبّاده، والأكل من الحلال سبب لتقبّل الدّعاء، والعبادة كما أنّ الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء، والعبادة، كما جاء في الحديث الشريف من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} ثمّ ذكر الرّجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا ربّ! يا ربّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب له؟!». رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم، وأحمد، والترمذي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: تليت هذه الآية عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً} فقام سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدّعوة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدّعوة؛ والّذي نفس محمّد بيده! إنّ العبد ليقذف اللّقمة الحرام في جوفه، ما يتقبّل منه عمل أربعين يوما، وأيّما عبد نبت لحمه من سحت؛ فالنّار أولى به». رواه الطّبراني في الصغير.

<<  <  ج: ص:  >  >>