للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)}

الشرح: {وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ:} هذا مثل ضربه الله للمؤمن، والكافر. وانظر شرح:

{يَسْتَوِي} في الآية رقم [١٩] الآتية. {هذا عَذْبٌ:} حلو. {فُراتٌ:} شديد العذوبة، قاطع لحرارة العطش لشدة عذوبته. وفي القاموس: فرت، ككرم، فروتة: عذب. {سائِغٌ شَرابُهُ:} سهل انحداره في الحلقوم لعذوبته. {وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ:} شديد الملوحة، ولشدة ملوحته فيه مرارة، وفي القاموس: أج الماء أجوجا بالضم، يأجج، كسمع وضرب، ونصر: إذا اشتدت ملوحته. انتهى.

{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً..}. إلخ: فهو إما استطراد لبيان صفة {الْبَحْرانِ} وما فيهما من النعم، والمنافع، وإما تكملة للتمثيل، على معنى: أنهما وإن اشتركا في بعض الفوائد؛ لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات، فكذلك المؤمن، والكافر، وإن اشتركا في بعض الصفات، كالشجاعة، والسخاوة، ونحوهما؛ لا يتساويان في الخاصية العظمى؛ لبقاء أحدهما على فطرته الأصلية. انتهى. جمل نقلا من أبي السعود.

هذا؛ وقد عد هذا الكلام من الاستعارة التمثيلية. وهو تركيب استعمل في غير موضعه لعلاقة المشابهة. هذا؛ وأما الاستطراد؛ فهو أن يبني الشاعر، أو الكاتب كلاما كثيرا على كلام من غير ذلك النوع، يقطع عليه الكلام وهو مراده، دون جميع ما تقدم. ويعود إلى كلامه الأول، وجل ما يأتي تشبيها؛ فقد استطرد في الآية إلى ذكر البحرين: المالح، والعذب، وما علق بهما من نعمته، وعطائه، وهو ما يلي في بقية الآية، واعتبر أحمد محشي الكشاف من الاستطراد البديع، قول الشاعر: [الطويل] إذا ما اتّقى الله الفتى وأطاعه... فليس به بأس، وإن كان من جرم

وقول حسان-رضي الله عنه-في هجاء الحارث بن هشام، وهزيمته يوم بدر: [الكامل] إن كنت كاذبة الّتي حدّثتني... فنجوت منجى الحارث بن هشام

ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم... ونجا برأس طمرّة ولجام

{وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها:} كما قال جل ذكره في سورة (الرحمن) رقم [٢٢]: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} لأجل الزينة، والتحلّي بهما، ولبس الحلية بحسبها، فالخاتم يجعل في الإصبع، والسوار في الذراع، والقلادة في العنق، والخلخال في الرّجل. {وَتَرَى:} خطاب لكل من

<<  <  ج: ص:  >  >>