{جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١)}
الشرح: {جَنّاتِ:} جمع: جنة، وهي في الأصل: البستان الكثير الأشجار، وسميت الجنة بذلك؛ لأنها تجن؛ أي: تستر من يدخل فيها لكثرة أشجارها، وكثافتها. وانظر أسماء الجنات في الآية رقم [٢٥] من سورة (يونس) عليه السّلام، ومعنى {عَدْنٍ:} إقامة وخلود يقال: عدن بالمكان:
إذا أقام به، ومنه: المعدن أي: الموجود في باطن الأرض. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «عدن دار الله، التي لم ترها عين قطّ، ولم تخطر على قلب بشر، لا يسكنها إلاّ ثلاثة: النّبيّون والصّدّيقون والشهداء، يقول الله: طوبى لمن دخلك». رواه الطبراني عن أبي الدرداء-رضي الله عنه-.
{الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ:} المؤمنين المطيعين. والإضافة للتشريف، والتكريم. {بِالْغَيْبِ:}
وعدها إياهم، وهي غائبة عنهم غير حاضرة، فصدّقوا بها، وعملوا الصالحات في الدنيا، وجدّوا، واجتهدوا في العمل للحصول عليها.
وانظر شرح (الغيب) في الآية رقم [٢٦] من سورة (الكهف). {إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} أي:
لا خلف فيه، ومن أوفى بعهده من الله. وانظر الوعد في الآية رقم [٣١] من سورة (الرعد).
هذا؛ وانظر ما ذكرته في كان في الآية رقم [٣] من سورة (الإسراء)، و {مَأْتِيًّا:} اسم مفعول أصله مأتويا، انظر إعلال مثله في الآية رقم [٢٠] وقيل: هو مفعول بمعنى: فاعل، وهو الأصح.
الإعراب: {جَنّاتِ:} بدل من {الْجَنَّةَ} بدل الاشتمال، أو مفعول به لفعل محذوف، تقديره أعني، فهو منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، ويقرأ برفعه على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، و {جَنّاتِ:} مضاف، و {عَدْنٍ:} مضاف إليه. {الَّتِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب، أو في محل رفع صفة {جَنّاتِ} وساغ ذلك لأن {عَدْنٍ} علم، فتعرف به المضاف، {وَعَدَ:} ماض، ومفعوله الأول، وهو العائد محذوف. {الرَّحْمنُ:} فاعله.
{عِبادَهُ:} مفعول به ثان، والهاء في محل جر بالإضافة. {بِالْغَيْبِ:} متعلقان بمحذوف حال من {عِبادَهُ} وأجيز تعليقهما بالفعل {وَعَدَ} وجملة: {وَعَدَ..}. إلخ صلة الموصول، لا محل لها.
{إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها، وهذا الضمير يحتمل عوده على {الرَّحْمنُ} والثاني: أنه ضمير الأمر والشأن؛ لأنه مقام تعظيم وتفخيم، وعلى الأول: يجوز أن يكون في {كانَ} ضمير هو اسمها يعود على {الرَّحْمنُ} ووعده بدل من ذلك الضمير بدل اشتمال، ويجوز أن لا يكون فيها ضمير، بل اسمها {وَعْدُهُ} والهاء في محل جر بالإضافة، و {مَأْتِيًّا} خبرها على الاعتبارين، وجملة: {كانَ..}. إلخ في محل رفع خبر (إنّ) والجملة الاسمية: {إِنَّهُ كانَ..}. إلخ تعليل، أو مستأنفة، لا محل لها، وهي مقوية لوعد الله تعالى، ومؤكدة له، والجملة الاسمية:
«هي جنات عدن» المقدرة على قراءة الرفع مستأنفة، لا محل لها.