وأما المثل في هذه الآية ونحوها، فهو عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر؛ بينهما مشابهة؛ ليتبين أحدهما من الآخر، ويصوره. وقيل: هو تشبيه شيء بشيء آخر. وبالجملة:
هو القول السائر بين الناس، والذي فيه غرابة من بعض الوجوه، والممثل بمضربه. أي: هو الحالة الأصلية، التي ورد الكلام فيها. وما أكثر الأمثال في اللغة العربية، علما بأن الأمثال لا تغير:
تذكيرا، وتأنيثا، إفرادا، وتثنية، وجمعا؛ بل ينظر فيها دائما إلى مورد المثل، أي: أصله. مثل:
(الصّيف ضيّعت اللّبن). فإنه يضرب لكل من فرط في تحصيل شيء في أوانه، ثم طلبه بعد فواته.
الإعراب: {وَاضْرِبْ:} الواو: حرف عطف. (اضرب): فعل أمر، وفاعله مستتر فيه، تقديره:
«أنت». {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان به. وقيل: متعلقان بمحذوف حال. ولا وجه له. {مَثَلاً:}
مفعول به أول. {أَصْحابَ:} مفعول به ثان، وصحح «الجمل» العكس. و {أَصْحابَ} مضاف، و {الْقَرْيَةِ} مضاف إليه. {إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب بدل من {أَصْحابَ الْقَرْيَةِ}. {جاءَهَا:} ماض، ومفعوله. {الْمُرْسَلُونَ... :} فاعل مرفوع إلخ، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها، وجملة: {وَاضْرِبْ..}. إلخ معطوفة على ما تضمنته الآيات السابقة من الكلام على كفار قريش، لا محل لها، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.
تنبيه: قال مكي-رحمه الله تعالى-: أصح ما يعطي القياس، والنظر في {مَثَلاً أَصْحابَ:}
أنهما مفعولان ل: (اضرب)، دليله: قوله تعالى: {إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ} الآية رقم [٢٤] من سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. فلا اختلاف: أن {مَثَلُ} ابتداء، و {كَماءٍ} خبره، فهذا ابتداء، وخبر بلا شك، ثم قال تعالى في موضع آخر: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ..}. إلخ الآية رقم [٤٥] من سورة (الكهف)، فدخل (اضرب) على الابتداء، والخبر، فعمل في الابتداء، ونصبه، فلا بد أن يعمل في الخبر أيضا؛ لأن كل فعل دخل على الابتداء، والخبر، فعمل في الابتداء، فلا بد أن يعمل في الخبر؛ إذ هو هو، فقد تعدى (اضرب)؛ الذي هو لتمثيل الأمثال إلى مفعولين بلا اختلاف في هذا، فوجب أن يجري في غير هذا الموضع على ذلك، فيكون قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ،} مفعولين ل: (اضرب)، كما كان في دخوله على الابتداء، والخبر، وقد قيل: إن {أَصْحابَ} بدل من «مثل» وتقديره: واضرب لهم مثلا «مثل» أصحاب، فالمثل الثاني بدل من الأول، ثم حذف المضاف. انتهى. بحروفه.
{إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اِثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)}
الشرح: {إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ:} اسمهما: يوحنا، وبولس. وقيل: غير ذلك. هذا؛ وأسند سبحانه وتعالى الإرسال إلى نفسه؛ لأن عيسى أرسلهما بأمره، جلت قدرته، وتعالت حكمته.
{فَكَذَّبُوهُما:} قيل: ضربوهما، وسجنوهما. {فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ} أي: قوينا، وشددنا أمر الاثنين