للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)}

الشرح: {فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي: خالقهما، ومبتدعهما على غير مثال سبق. هذا؛ والفطر: الشق عن الشيء، يقال: فطرته، فانفطر، قال تعالى: {السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} ومنه فطر ناب البعير: طلع، فهو بعير فاطر. وتفطر الشيء: تشقق، وسيف فطار؛ أي: فيه تشقق. قال عنترة: [الوافر]

وسيفي كالعقيقة فهو كمعي... سلاحي لا أفلّ ولا فطارا

وكمعي: ضجيعي. العقيقة: شعاع البرق الذي يبدو كالسيف. والفطر: الاختراع، والابتداع، والابتداء. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كنت لا أدري ما {فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها؛ أي: أنا ابتدأتها.

والفطر: حلب الناقة بالسبابة والإبهام، وانظر الآية رقم [٣] من سورة (الملك). والمراد بذكر السموات والأرض: العالم كله، ويستدل بهذا على أنّ من قدر على الابتداء؛ قدر على الإعادة.

وقرئ {فاطِرُ} بالرفع، والجر، ويجوز نصبه في العربية. وانظر الإعراب.

{جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً:} قال القرطبي: قيل معناه: إناثا، وإنّما قال: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} لأنّه خلق حواء من ضلع آدم. وقال مجاهد: نسلا بعد نسل. انتهى. وقال الجمل: روي عن جعفر الصادق-رحمه الله تعالى-: أنّه قال: كان أول من سجد لآدم جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم عزرائيل، ثم الملائكة المقربون. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان السجود يوم الجمعة من الزوال إلى العصر، ثم خلق له حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، وهو نائم، وسميت حواء؛ لأنّها خلقت من حي، فلما استيقظ، ورآها؛ سكن، ومال إليها، ومدّ يده لها، فقالت الملائكة: مه يا آدم! قال: ولم؛ وقد خلقها الله لي؟ فقالوا: حتى تؤدي مهرها، قال: وما مهرها؟ قالوا: حتى تصلي على محمد ثلاث مرات. وذكر ابن الجوزي: أنّه لما رام آدم القرب منها؛ طلبت منه المهر، فقال: يا رب! وماذا أعطيها؟ فقال: يا آدم! صلّ على حبيبي محمد بن عبد الله عشرين مرة. ففعل. انتهى. مواهب. فلما فعل آدم ما أمر به خطب الله خطبة النكاح، ثم قال: اشهدوا يا ملائكتي، وحملة عرشي: أنّي زوجت أمتي حواء من عبدي آدم، انتهى. شارحها. وانظر ما ذكرته في سورة (الزمر) رقم [٦] ففيها فضل زيادة.

{وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً} أي: وخلق للأنعام من جنسها أزواجا، أو خلق لكم من الأنعام أصنافا، أو: ذكورا، وإناثا، والمراد: الثمانية؛ التي ذكرها الله في سورة (الأنعام) رقم [١٤٣] و [١٤٤] أي: ذكور الإبل، والبقر، والضأن، والمعز، وإناثها. وأزواج: جمع: زوج، وهو يطلق

<<  <  ج: ص:  >  >>