للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابق. هذا، وأجيز في مثل هذه الآية اعتبار: {مَنْ} شرطية، جوابها الجملة الاسمية الآتية، وتبقى الجملة الاسمية في محل نصب على الاستثناء. ومثل هذه الجملة في إعرابها الآية رقم [١٦٠] من سورة (البقرة)، والآية رقم [٦٠] من سورة (مريم) على نبينا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام. وجملة: {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من لفظ الجلالة، والرابط إعادة الاسم الكريم بلفظه.

{وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١)}

الشرح: {وَمَنْ تابَ} أي: من الشرك، والمعاصي، بتركها، والندم على فعلها. {وَعَمِلَ صالِحاً} أي: عملا صالحا، يتلافى به ما فرط من الطاعات، أو خرج من المعاصي، ودخل في الطاعات. {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ} أي: يرجع إليه تعالى؛ إذ التوبة: الرجوع عن الذنوب إلى علام الغيوب. {مَتاباً} أي: مرضيا عند الله، ماحيا للعقاب، محصلا للثواب، أو يرجع إلى الله مرجعا حسنا. وفي كلام بعض العرب: لله أفرح بتوبة العبد من المضل الواجد، والظمان الوارد، والعقيم الوالد.

وعن الحارث بن سويد عن عبد الله-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دويّة مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام، فاستيقظ، وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتّى إذا اشتدّ عليه الحرّ والعطش، أو ما شاء الله تعالى، قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه، فأنام حتّى أموت، فوضع يده على ساعده ليموت، فاستيقظ، فإذا راحلته عنده، عليها زاده وشرابه، فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته». أخرجه البخاري، ومسلم، ومعنى فرح الله بتوبة العبد: رضاه عنه، وغفر ذنوبه، وستر عيوبه.

هذا؛ وقد قال القفال: يحتمل أن تكون الآية الأولى فيمن تاب من المشركين، ثم عطف عليه من تاب من المسلمين، وأتبع توبته عملا صالحا، فله حكم التائبين، ولا تنس: الاحتراس في الآيتين، وهو: اشتراط الإيمان الصحيح، والعمل الصالح لقبول التوبة؛ ولذلك قيل: من تاب بلسانه، ولم يحقق ذلك بفعله، فليست تلك التوبة نافعة، بل من تاب وعمل صالحا، فحقق توبته بالأعمال الصالحة، فهو الذي تاب إلى الله متابا، أي تاب حق التوبة، وهي النصوح، ولذا أكد بالمصدر، ف‍: {مَتاباً} مصدر معناه التأكيد، كقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً} أي:

فإنه يتوب إلى الله حقّا، فيتقبل الله توبته حقّا، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَمَنْ:} الواو: حرف عطف، أو استئناف. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {تابَ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط

<<  <  ج: ص:  >  >>