للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، التقدير: إن كنتم تعقلون كلامي؛ فتدبروا ما أقوله لكم. والكلام: {رَبُّ الْمَشْرِقِ..}. إلخ كله في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَ} مستأنفة، لا محل لها.

{قالَ لَئِنِ اِتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩)}

الشرح: قال النسفي-رحمه الله تعالى-في آخر الآية السابقة: وهذا غاية الإرشاد؛ حيث عمم أولا بخلق السموات والأرض، وما بينهما، ثم خصص من العام للبيان أنفسهم، وآباءهم؛ لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه، ومن ولد منه، وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته، ثمّ خصص المشرق، والمغرب؛ لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين، وغروبها في الآخر، على تقدير مستقيم في فصول السنة، وحساب مستو من أظهر ما استدل به، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالإحياء، والإماتة على نمرود بن كنعان.

فلما تحير فرعون، ولم يتهيأ له أن يدفع ظهور آثار صنعه؛ {قالَ لَئِنِ..}. إلخ، والمعنى: لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني، وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه، فيطرحه في هوة، ذاهبة في الأرض، بعيدة العمق، فردا لا يبصر فيها، ولا يسمع، فكان ذلك أشدّ من القتل، وأشدّ من السجن، ولو قال: لأسجننك؛ لم يؤد هذا المعنى، وإن كان أخصر. انتهى.

وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: ثم لما انقطع فرعون-لعنه الله-في باب الحجة؛ رجع إلى الاستعلاء والتغلب، فتوعد موسى بالسجن، ولم يقل: ما دليلك على أن هذا الإله أرسلك؟ لأن فيه الاعتراف، بأن ثم إلها غيره، وفي توعده بالسجن ضعف، وكان-فيما يروى-يفزع منه فزعا شديدا، حتى كان اللعين لا يمسك بوله. انتهى. هذا؛ وقد قال نبينا صلّى الله عليه وسلّم «نصرت بالرعب» فكانت عروش الجبابرة تهتزّ عند ذكره صلّى الله عليه وسلّم فرقا، ووجلا.

الإعراب: {قالَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {فِرْعَوْنُ} تقديره: «هو». {لَئِنِ:} اللام:

موطئة لقسم محذوف. (إن): حرف شرط جازم. {اِتَّخَذْتَ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، {إِلهَاً:} مفعول به، {غَيْرِي:} صفة: {إِلهَاً} منصوب مثله، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلم ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وهذه الإضافة لا تفيد «غير» تعريفا، لذا صح وقوعه صفة للنكرة، وجملة: {اِتَّخَذْتَ} لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال:

لأنها جملة شرط غير ظرفي، {لَأَجْعَلَنَّكَ:} اللام: واقعة في جواب القسم. (أجعلنك): فعل مضارع مبني على الفتح لا تصاله بنون التوكيد الثقيلة التي هي حرف لا محل له، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: «أنا»، والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به. {مِنَ الْمَسْجُونِينَ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>