للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَفَلا:} الهمزة: حرف استفهام، وتقريع، وتأنيب. الفاء: حرف استئناف، أو حرف عطف. {تَعْقِلُونَ:} فعل مضارع وفاعله، والجملة الفعلية معطوفة على جملة مقدرة، التقدير:

أطبع على قلوبكم، فلا تعقلون؟! والكلام كلّه معطوف على ما قبله، أو هو مستأنف، ولا محل له على الاعتبارين.

{وَاِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥)}

الشرح: {وَاسْتَعِينُوا:} اطلبوا، والتمسوا المعونة على أموركم الدّينية، والدنيويّة.

وانظر الاستعانة في سورة الفاتحة، هذا وقيل: إنّ المخاطبين بهذا هم المؤمنون؛ لأن من ينكر الصلاة، والصبر على دين محمد صلّى الله عليه وسلّم لا يقال له: استعن بالصّبر، والصلاة، فلا جرم وجب صرفه إلى من صدّق محمدا صلّى الله عليه وسلّم وآمن به. وقيل: يحتمل الخطاب لبني إسرائيل؛ لأن صرف الخطاب إلى غيرهم يوجب تفكيك نظم القرآن، ولأنّ اليهود لم ينكروا أصل الصّلاة، والصبر، لكنّ صلاتهم غير صلاة المؤمنين، فعلى هذا القول: إن الله تعالى لمّا أمرهم بالإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والتزام شريعته، وترك الرئاسة، وحبّ الجاه، والمال؛ قال لهم: ({اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}).

انتهى. وقيل: إنّ المراد بالصّبر: الصوم.

هذا و (الصبر): حبس النفس عن الجزع عند المصيبة، وحبس اللّسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التّشويش، وهو مرّ المذاق يكاد لا يطاق، إلا أنه حلو العواقب، يفوز صاحبه بأسنى المطالب، كما قال القائل: [البسيط]

الصّبر مثل اسمه مرّ مذاقته... لكن عواقبه أحلى من العسل

وبالجملة: فنفع الصبر مشهور، والحضّ عليه في الكتاب والسنّة مقرر مسطور، وهو على ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على البلاء. ولا تنس أنّ من أسماء الله تعالى (الصّبور)؛ وفسّر بالذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الرّعد) رقم [٢٢]: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} أي: طلبا لمرضاته، وهذا الصبر المحمود، وهو أن يكون الإنسان صابرا لوجه الله تعالى، محتسبا أجره على الله، فهذا هو الصبر الذي يدخل صاحبه رضوان الله، وأما صبر العبد؛ ليقال: ما أعظم صبره، وما أشد قوته على تحمل النوائب! أو يصبر؛ لئلا يعاب على الجزع، أو يصبر؛ لئلا تشمت به الأعداء، فهذا كلّه مذموم، لا ينيل صاحبه الدّرجات العلى، والمقام الرفيع عند الله، وقد يعرضه لشديد غضب الله، ونقمته.

هذا؛ والصبر على أنواع: الصّبر عن المعصية، فله ثلاثمائة درجة، والصبر على الطاعة، فله ستمائة درجة، والصبر على البلاء، فله تسعمائة درجة، لكن ذلك لا يكون إلا بالصبر عند الصدمة

<<  <  ج: ص:  >  >>