أن الرحمن آية مع هذا المضمر، فإنهم عدوا {الرَّحْمنُ} آية، ولا يتصور ذلك إلا بانضمام خبر، أو مخبر عنه إليه؛ إذ الاية لا بد أن تكون مفيدة. الثالث: أنه ليس بآية، وأنه مع ما بعده كلام واحد، وهو مبتدأ خبره:{عَلَّمَ الْقُرْآنَ}. انتهى. جمل نقلا من السمين.
{عَلَّمَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الرحمن) وهو متعد لاثنين، الأول محذوف تقديره: علم جبريل، أو علم محمدا، أو علم الإنسان. وهذا أولى لعمومه، والمفعول الثاني هو القرآن. وقيل:{عَلَّمَ} من العلامة، فلا ينصب مفعولين، والجملة الفعلية مستأنفة على الوجهين في {الرَّحْمنُ،} وفي محل رفع خبره على الوجه الثالث فيه، والجملتان: {خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ} مستأنفتان أيضا، أو هما من تعدد الخبر، وهو جملة. قال النسفي تبعا للزمخشري:
وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة، وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد، كما تقول: زيد أغناك بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد، فما تنكر من إحسانه؟. انتهى. وهو مفاد كلام ابن هشام في المغني.
الشرح:{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يجريان بحسبان ومنازل لا يتعديانها. وقيل: يعني بهما حساب الأوقات، والاجال، ولولا الليل والنهار، والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب ما يريد، قال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} انظر شرحها هناك، فإنه جيد، والحمد لله، وانظر شرح الاية رقم [٣٨] من سورة (يس) وما بعدها؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ ويجوز في (حسبان) وجهان: أحدهما: أنه مصدر مفرد بمعنى الحساب، فيكون كالغفران والكفران. والثاني: أنه جمع حساب، كشهاب، وشهبان، ورغيف، ورغفان. انتهى. سمين.
{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ:} قال ابن عباس، وغيره: النجم: ما لا ساق له، والشجر: ما له ساق، وأنشد ابن عباس-رضي الله عنهما-قول صفوان بن أسد التميمي:[الطويل] لقد أنجم القاع الكبير عضاهه... وتمّ به حيّا تميم ووائل
وقال زهير بن أبي سلمى المزني:[البسيط] مكلّل بأصول النجم تنسجه... ريح الجنوب لضاحي مائه حبك
واشتقاق النجم من: نجم الشيء، ينجم بالضم نجوما: ظهر وطلع، وسجودهما بسجود ظلالهما. وقال الزجاج: سجودهما دوران الظل معهما، كما قال تعالى:{يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ}