{قُلْ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وقيل: المصدر المؤول في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: بأنما، أو لأنما، والجار والمجرور:{إِلَيَّ} في محل رفع نائب فاعل ل: {يُوحى،} والأول أجود. انتهى. مكي.
الشرح: جاء في مختصر ابن كثير ما يلي: هذه القصة ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة (البقرة) وفي أول سورة (الأعراف) وفي سورة (الحجر) و (الإسراء) و (الكهف) وهاهنا؛ وهي أن الله سبحانه وتعالى أعلم الملائكة قبل خلق آدم-عليه الصلاة والسّلام-بأنه سيخلق بشرا من صلصال من حمأ مسنون، وقد تقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه، وتسويته، فليسجدوا له إكراما، وإعظاما، واحتراما، وامتثالا لأمر الله عز وجل، فامتثل الملائكة كلهم سوى إبليس، ولم يكن منهم جنسا، كان من الجن، فخانه طبعه، وجبلته، فاستنكف عن السجود لآدم، وخاصم ربه عز وجل فيه، وادعى: أنه خير من آدم، فإنه مخلوق من نار، وآدم خلق من طين، والنار خير من الطين في زعمه، وقد أخطأ في ذلك، وخالف أمر الله تعالى، وكفر بذلك، فأبعده الله عز وجل، وأرغم أنفه، وطرده عن باب رحمته، ومحلّ أنسه، وحضرة قدسه، وسماه: إبليس إعلاما له بأنه أبلس من الرحمة، وأنزله من السماء مذموما، مدحورا إلى الأرض.
فسأل الله النظرة إلى يوم البعث، فأنظره الحليم، الذي لا يعجل على من عصاه، فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة؛ تمرد وطغى، وقال في هذه السورة: {قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} كما قال تعالى حكاية عن قوله: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً} وهؤلاء هم المستثنون في الآية الأخرى، وهي قوله تعالى:{إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً،} وقوله تعالى في هذه السورة أيضا: {قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}. قال السدي: هو قسم أقسم الله به، كقوله تعالى في سورة (السجدة) رقم [١٣]: {وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ،} وكقوله عز وجل في سورة (الإسراء): {قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً} انتهى.
وما أحراك أن تنظر تفصيل الآيات وشرحها في السور المشار إليها في أول هذا الكلام.
لقد علمت نقلا، وعقلا، وواقعيا: أن الله خلق كل مخلوق من أبوين بطريق التزاوج إلا آدم على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، فقد خلقه الله بيده من طين، ثم نفخ فيه من روحه، فآدم لم يخلق من أبوين إنما جاء نموذجا فردا، كما صرحت الآيات التي نحن بصدد شرحها، وقد صرحت الآيات القرآنية: أنه أبو البشر، فقد قال تعالى في أول سورة (النساء):
{يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ..}. إلخ، وقال تعالى في سورة (الأعراف)[١٨٩]: