للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تركت ذلك، وضيعته، واستكبرت عن قبوله، وآثرت الضلالة على الهدى، واشتغلت بضد ما أمرتك به، فإنما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك. انتهى.

هذا؛ وقال تعالى: {وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ} بالخطاب للمذكر؛ لأن النفس تقع على الذكر، والأنثى. يقال: ثلاثة أنفس. وقال المبرد: تقول العرب: نفس واحد؛ أي: إنسان واحد.

وروى الربيع بن أنس عن أم سلمة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ: «(قد جاءتك آياتي، فكذّبت بها، واستكبرت، وكنت من الكافرين)». وقرأ الأعمش: «بلى قد جاءته» وهذا يدل على التذكير. انتهى. قرطبي. والقراءتان غير سبعيتين.

الإعراب: {بَلى:} حرف جواب. {قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال.

{جاءَتْكَ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والكاف مفعول به. {آياتِي:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية. {فَكَذَّبْتَ:} فعل، وفاعل. {بِها:} جار ومجرور متعلقان به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وأيضا: جملة: {وَاسْتَكْبَرْتَ} مع المتعلق المحذوف معطوفة عليها، وكذلك جملة:

{وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ} معطوفة أيضا عليها. تأمل، وتدبر. وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

{وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠)}

الشرح: {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ} أي: نسبوا له الشريك، والولد، والصاحبة، ووصفوه بما لا يليق به. هذا؛ والزمخشري ذكر هنا كلاما نابعا من مذهبه في الاعتزال، وقد رد عليه الإمام ناصر الدين المالكي أفظع رد. {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ:} مما أحاط بهم من غضب الله ونقمته، قال تعالى في سورة (طه) رقم [١٠٢]: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً،} وقال تعالى في سورة (عبس): {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ}. {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} أي: عن الإيمان، والعبادة لله تعالى. وانظر شرح (المثوى) في الآية رقم [٣٢]. هذا؛ وقد بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أن الكبر بطر الحق، وغمط الناس؛ أي: احتقارهم، وازدراؤهم. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٨٥] من سورة (ص)، وخذ ما يلي:

فعن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور الرجال، يغشاهم الذّلّ من كلّ مكان، يساقون إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>