للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اِتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١)}

الشرح: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ:} يقرأ بالهمز: «يا أيها النبيء» ومعناه: يا أيها المخبر عنا، المأمون على أسرارنا، المبلغ خطابنا إلى أحبابنا، وإنما لم يقل: يا محمد، كما قال: يا آدم، يا نوح، يا موسى... إلخ تشريفا له، وتنويها بفضله. وتصريحه باسمه في قوله جل ذكره: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} ونحوه لتعليم الناس بأنه رسول الله. انتهى. نسفي. وينبغي أن تعلم: أن الله لم يناد نبيه صلّى الله عليه وسلّم بلفظ الرسول إلا في سورة (المائدة) رقم [٤١ و ٦٧]. {اِتَّقِ اللهَ:} اثبت على تقوى الله، ودم عليه، وازدد منه، فهو باب لا يدرك مداه. {وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ:} فيما يطلبون منك، ففيه توهين للدين، وضعف لشوكة المسلمين، فإياك أن تساعدهم، أو تستجيب لهم بشيء أبدا، واحترس منهم، فإنهم أعداء الله، وأعداؤك، وأعداء المؤمنين.

فقد روي: أن الآية نزلت في أبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور السلمي، وذلك: أنهم قدموا المدينة، فنزلوا على عبد الله بن أبيّ ابن سلول، رأس المنافقين بعد قتال أحد، وقد أعطاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن أبيرق، فقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده الفاروق-رضي الله عنه-: ارفض ذكر آلهتنا:

اللات، والعزى، ومناة-أي: لا تذمها-وقل: إن لها شفاعة لمن عبدها، وندعك وربك. فشق ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال الفاروق-رضي الله عنه-: يا رسول الله! ائذن لي في قتلهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إني أعطيتهم الأمان، فقال الفاروق: اخرجوا في لعنة الله وغضبه، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخرجوا من المدينة، فنزلت الآية. وفي هذا دليل قاطع على أنه يجوز لعن كافر معين. هذا؛ وإن هذا النص لا يدل على وقوع الذنب من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإنما هو خطاب للأمة توجه إلى القائد، والزعيم في صورة الخطاب له صلّى الله عليه وسلّم، والمراد به أمته، والدليل أن المقصود بالخطاب هو الأمة، لا شخص الرسول: أن الله ختم الآيات الكريمة بصيغة الجمع حيث قال: {إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً}.

{إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً} أي: بخلقه قبل أن يخلقهم، فهو يعلم مكر الماكرين، وخبث الخبيثين من الكافرين، والمنافقين. {حَكِيماً:} فيما دبر لهم، والحكيم: هو الذي يضع الأمور في مواضعها، فأوامر الله كلها حكم، ونواهيه وزواجره كلها حكم، وما يتذكر إلا أولو الألباب.

هذا؛ و {كانَ} في القرآن الكريم تأتي على أوجه: تأتي بمعنى الأزل، والأبد، وبمعنى المضي المنقطع، وهو الأصل في معناها، وبمعنى الحال، وبمعنى الاستقبال، وبمعنى «صار»

<<  <  ج: ص:  >  >>