تنبيه: في الآية الكريمة مسألة بيانية لم يتعرض لها المفسرون ألبتة، وهي ما إذا وقعت «كل» في حيز النفي؛ كان النفي موجها إلى الشمول خاصة، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد، كقولك:(ما جاء كلّ القوم، ولم آخذ كلّ الدراهم، وكلّ الدراهم لم آخذ). وإن وقع النفي في حيزها؛ اقتضى السلب عن كل فرد، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال له ذو اليدين: أنسيت، أم قصرت الصلاة يا رسول الله!؟ «كلّ ذلك لم يكن». وقد يشكل على قولهم في القسم الأول قوله تعالى في هذه السورة:{وَلا تُطِعْ..}. إلخ، ومثلها في سورة (البقرة) رقم [٢٧٦]، وفي سورة (الحديد) رقم [٢٣]، وفي سورة (لقمان) رقم [١٨] حيث وقعت (كل) في حيز النفي، فتفيد: أن المنفي الشمول، وأن البعض ثابت له المحبة من الله.
والجواب عن الآيات: أن دلالة المفهوم إنما يعول عليها عند عدم المعارض، وهو هنا موجود إذ دل الدليل، وهو الإجماع على تحريم الاختيال، والفخر، والحلف، والكفر مطلقا، ومستند هذا الإجماع: الأحاديث الشريفة الكثيرة. هذا؛ ويعبر عما تقدم بسلب العموم وعموم السلب.
الإعراب:{وَلا:}(الواو): حرف عطف. (لا): ناهية جازمة. {تُطِعْ:} فعل مضارع، مجزوم ب:(لا) الناهية، والفاعل مستتر تقديره:«أنت»، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {كُلَّ:} مفعول به، وهو مضاف، و {حَلاّفٍ} مضاف إليه، وهو صفة لموصوف محذوف، التقدير: كل شخص حلاف. {مَهِينٍ،}{هَمّازٍ،}{مَشّاءٍ:} صفات للموصوف المحذوف. {بِنَمِيمٍ:} جار ومجرور متعلقان ب: {مَشّاءٍ}. {مَنّاعٍ:} صفة أخرى. {لِلْخَيْرِ:} جار ومجرور متعلقان ب: {مَنّاعٍ}. {مُعْتَدٍ،}{أَثِيمٍ،}{عُتُلٍّ:} صفات للموصوف المحذوف.
{بَعْدَ:} ظرف زمان متعلق ب: {زَنِيمٍ} الذي هو الصفة العاشرة للموصوف المحذوف، و {بَعْدَ} مضاف، و {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له.
الشرح: المعنى: لأن كان صاحب مال وبنين يفجر، ويفتري ويقول في القرآن ما يقول، ويزعم أنه أساطير الأولين، وكان الأحرى به أن يقابل النعمة بالشكر، لا بالجحود والتكذيب وقرئ (أن) بفتح الهمزة وكسرها، كما قرئ «(أأن)» على الاستفهام. إذا تتلى عليه قال... إلخ: أي: إذا قرئ عليه القرآن قال: مستهزئا ساخرا: إنها خرافات، وأباطيل المتقدمين اختلقها محمد ونسبها إلى الله. {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ:} هذا وعيد وتهديد من الله لذلك الكافر الفاجر، والمعنى: سنجعل له علامة على خرطومه، أي: أنفه، ونسود وجهه في الآخرة، فيعرف بسواد وجهه، كما قال تعالى