للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)}

الشرح: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ:} ذكرت لك: أن هذه مقدّمة في النزول على الآية رقم [١٣٨]، ومعنى {تَقَلُّبَ وَجْهِكَ:} تردّد وجهك في جهة السماء تطلّعا للوحي، قال السّدّي: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى نحو بيت المقدس؛ رفع رأسه إلى السّماء ينظر ما يؤمر به، وكان يحبّ أن يصلي إلى قبل الكعبة. وخصّ السماء بالذكر؛ إذ هي مختصة بتعظيم ما أضيف إليها، ويعود منها كالمطر، والرحمة، والوحي.

{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ:} فلنجعلنك تتوجه في صلاتك إلى الكعبة المعظمة، التي {تَرْضاها:} تحبّها، وتتشوّق بالاتجاه إليها. {فَوَلِّ وَجْهَكَ:} اصرف وجهك، وتوجّه في صلاتك. {شَطْرَ:} جهة.

قال الشاعر: [الوافر]

أقول لأمّ زنباع أقيمي... صدور العيس شطر بني تميم

هذا؛ وشطر الشيء: نصفه، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان» وجمعه: أشطر، وشاطره ماله: إذا ناصفه إياه. والشّاطر: المتصف بالدّهاء، والمكر، والخبث. والشّطير:

البعيد، والغريب، ومنه قول الشّاعر، وهو الشّاهد رقم [٢١] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الرجز]

لا تتركنّي فيهمو شطيرا... إنّي إذن أهلك أو أطيرا

{الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} أي: المحرّم فيه الظلم، والاعتداء، ولا يصاد صيده، ولا يختلى خلاه، ومن دخله كان آمنا، والمراد بالمسجد الحرام الكعبة المعظمة، ويطلق أيضا على ما حولها مهما اتّسع. {وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ:} في أيّ أرض، وفي أيّ مكان من المعمورة. {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ:}

فتوجّهوا في صلاتكم إليه، واجعلوه قبلتكم، والفعل منه من الأضداد يتغيّر معناه بتغيّر الجار.

يقال: أشطر إلى كذا: إذا أقبل نحوه، وشطر عن كذا: إذا أبعد منه، وأعرض عنه، وانظر الآية رقم [١٣٠].

{وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ:} المراد بهم اليهود الذين كانوا في عصره صلّى الله عليه وسلّم. {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ..}.

إلخ: ذلك؛ لأن من صفات النبي صلّى الله عليه وسلّم في كتبهم: أنه يصلّي إلى القبلتين: الكعبة، وبيت المقدس، ويستقر الأمر بالتوجّه إلى الكعبة المعظمة. والضمير المتصل ب‍: {أَنَّهُ} عائد إلى التوجّه إلى الكعبة المفهوم من الكلام السابق. {وَمَا اللهُ بِغافِلٍ..}. إلخ: انظر الآية رقم [١٤٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>