للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: ويرجمون بالظن، ويتكلمون بما لم يظهر لهم في الرسول صلّى الله عليه وسلّم من المطاعن، كقولهم:

شاعر، كاهن، مجنون... إلخ، أو في العذاب من البت على نفيه. {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ:} من جانب بعيد من أمره، وهو الشّبه التي تمحلوها في أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وحال الآخرة، كما حكاه من قبل، ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئا لا يراه. {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ:}

لا مجال للظن في لحوقه. انتهى. بيضاوي. وهذا استعارة تمثيلية تقريرها: أنه شبه حالهم في ذلك؛ أي: في قولهم: {آمَنّا بِهِ} حيث لا ينفعهم الإيمان بحال من رمى شيئا من مكان بعيد، وهو لا يراه، فإنه لا يتوهم إصابته، ولا لحوقه لخفائه عنه، وغاية بعده. فالباء في {بِالْغَيْبِ} بمعنى: في، أي في محل غائب عن نظرهم، أو للملابسة. انتهى. جمل نقلا من الشهاب، وقوله تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} مثل قوله تعالى في الآية رقم [٢٢] من سورة (الكهف): {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ}. وانظر شرح (كفروا) في الآية رقم [٣٤] من سورة (الروم). وانظر الآية رقم [٣] ورقم [٤٨] من هذه (السورة).

الإعراب: {وَقَدْ:} الواو: واو الحال. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال.

{كَفَرُوا:} فعل ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير. {مِنْ قَبْلُ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، أو من الضمير المجرور محلا بالباء، وبني {قَبْلُ} على الضم لقطعه عن الإضافة لفظا، لا معنى. {وَيَقْذِفُونَ:} الواو: حرف عطف. (يقذفون): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله. {بِالْغَيْبِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ مَكانٍ:} متعلقان به أيضا.

{بَعِيدٍ:} صفة: {مَكانٍ،} وجملة: {وَيَقْذِفُونَ..}. إلخ معطوفة على جملة: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ..}. إلخ فهي في محل نصب حال مثلها، وساغ ذلك؛ لأنه على حكاية الحال الماضية.

{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)}

الشرح: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ} أي: حيل بينهم، وبين النجاة من العذاب. وقيل:

حيل بينهم وبين ما يشتهون في الدنيا من أموالهم، وأهليهم. ومذهب قتادة: أن المعنى: أنهم كانوا يشتهون لما رأوا العذاب أن يقبل منهم أن يطيعوا الله عز وجل، وينتهوا إلى ما يأمرهم به الله، فحيل بينهم، وبين ذلك؛ لأن ذلك إنما كان في الدنيا، وقد زالت في ذلك الوقت. انتهى. قرطبي. وقال ابن كثير: الصحيح: أنه لا منافاة بين القولين، فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا، وبين ما طلبوه في الآخرة، فمنعوا منه. انتهى. هذا؛ وإعلال (حيل) مثل إعلال (قيل) انظر الآية رقم [٢١] من سورة (لقمان).

<<  <  ج: ص:  >  >>