للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأنهم جعلوه جمع: سرية. {بِعِبادِي:} الإضافة إضافة تشريف، وتكريم، وتبجيل، وتعظيم، وذكر العبودية مقام عظيم، وكثيرا ما ذكر الله حبيبه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بلفظ عبده. هذا؛ والعبد: الإنسان حرا كان، أو رقيقا، ويجمع على: عبيد، وعباد، وأعبد، وعبدان، وعبدة، وغير ذلك.

هذا؛ وأمر الله إلى موسى عليه السّلام بالخروج ليلا، وسير الليل في الغالب إنّما يكون عن خوف، والخوف يكون بوجهين: إما من العدو، فيتخذ الليل سترا مسدلا، فهو من أستار الله تعالى. وإما من خوف المشقة على الأبدان، والدواب بحرّ، أو جدب، فيتخذ السّرى مصلحة من ذلك، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسري، ويدلج، ويترفق، ويستعجل بحسب الحاجة، وما تقتضيه المصلحة، وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سافرتم في الخصب؛ فأعطوا الإبل حظّها من الأرض، وإذا سافرتم في السّنة؛ فبادروا بها نقيها». انتهى. قرطبي. المراد بالسّنة: القحط، وانعدام نبات الأرض من يبسها. والنقي: بكسر النون وسكون القاف: هو المخ، ومعناه أسرعوا في السير الإبل لتصلوا إلى المقصد؛ وفيها بقية من قوتها.

الإعراب: {فَأَسْرِ:} الفاء: حرف استئناف، أو هي الفصيحة، والتقدير: فقال: أسر، أو قال: إن كان الأمر كذلك؛ فأسر. (أسر): فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، والجملة في محل نصب مقول القول، أو هي في محل جزم جواب الشرط، والكلام في محل نصب مقول القول لقول محذوف، كما رأيت تقديره، والكلام كله مستأنف، لا محلّ له. هذا؛ وقدر القرطبي الكلام كما يلي: فأجبنا دعاءه، وأوحينا إليه: أن أسر بعبادي. ولا بأس به! دليله قوله تعالى في سورة (الشعراء) رقم [٥٣]: {وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}. {بِعِبادِي:} متعلقان بما قبلهما، والياء في محل جر بالإضافة. {لَيْلاً:} ظرف زمان متعلق بما قبله. {إِنَّكُمْ:} حرف مشبّه بالفعل، والكاف اسمها. {مُتَّبَعُونَ:} خبرها مرفوع، وعلامة رفعه الواو، والجملة الاسمية تعليل للأمر، لا محلّ لها.

{وَاُتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤)}

الشرح: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً} أي: ساكنا. قال القطامي في قصيدة يمدح فيها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان: [البسيط]

يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة... ولا الصّدور على الأعجاز تتّكل

أي: يمشين مشيا ساكنا على هينة. أراد موسى عليه السّلام لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه، فينطبق كما ضربه، فانفلق، فأمر أن يتركه على هيئته قارا على حاله من انتصاب الماء،

<<  <  ج: ص:  >  >>