الشرح:{وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ:} انظر خلق آدم، وما المراد من السجود لآدم في الآية رقم [٢٦] من سورة (الحجر) وما بعدها. وانظر شرح (آدم) في الآية رقم [٦١] من سورة (الإسراء). {فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ:} انظر شرح (إبليس) في الآية رقم [٣١] من سورة (الحجر).
{كانَ مِنَ الْجِنِّ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كان من حيّ من الملائكة، يقال لهم:
الجن خلقوا من نار السموم. وقال الحسن-رحمه الله تعالى-: كان من الجن، ولم يكن من الملائكة، فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، وكونه من الملائكة، لا ينافي كونه من الجن، بدليل قوله تعالى:{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} وذلك: أن قريشا قالت: الملائكة بنات الله، فهذا يدل على أنّ الملك يسمى جنا، ويعضده اللغة؛ لأن الجن مأخوذ من الاجتنان، وهو الستر، فعلى هذا تدخل الملائكة فيه، فكل الملائكة جن لاستتارهم، وليس كل جن ملائكة، ووجه كونه من الملائكة أن الله تعالى استثناه من الملائكة، والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل، ويصح دخوله، وذلك يوجب كونه من الملائكة، ووجه من قال: إنه كان من الجن، ولم يكن من الملائكة قوله تعالى:{كانَ مِنَ الْجِنِّ} والجن جنس مخالف للملائكة. وقوله:
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ} فأثبت له ذرية، والملائكة لا ذرية لهم، وأجيب عن الاستثناء: أنه استثناء منقطع، وهو مشهور في كلام العرب. قال تعالى:{لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً} قيل: إنه كان من الملائكة، فلما خالف الأمر؛ مسخ، وطرد، ولعن. انتهى. خازن.
{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ:} خرج عن طاعة ربه. {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ..}. إلخ: فيه توبيخ، وتقريع لمن اتبع خطوات الشيطان الرجيم. {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} أي: بئس عبادة الشيطان بدلا من عبادة الله تعالى، أو بئس إبليس بدلا من الله. هذا؛ وقيل:{عَنْ} هنا بمعنى:
بعد، انظر رقم [٦٣] من سورة (النور) تجد ما يسرك.
بعد هذا لقد اختلف: هل لإبليس ذرية من صلبه. فقال الشعبي: سألني رجل، فقال: هل لإبليس زوجة؟ فقلت: ذاك عرس لم أشهده، ثم ذكرت قوله تعالى:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ} فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة، فقلت: نعم. وقال مجاهد: إن إبليس أدخل فرجه في فرج نفسه، فباض خمس بيضات، فهذا أصل ذريته. وقيل: إن الله تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكرا، وفي اليسرى فرجا، فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا، وشيطانة، فهو يخرج، وهو يطير، وأعظمهم عند أبيهم منزلة أعظمهم في بني آدم فتنة. وقال قوم: ليس له أولاد، ولا ذرية، وذريته: أعوانه من الشياطين.