للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاِصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)}

الشرح: {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ:} نقض اليهود العهود، والميثاق والعهود؛ التي أبرموها مع الله بواسطة موسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، كما رأيت في الآية السابقة، وانظر (النقض) في الآية رقم [١٥٥] من سورة (النساء)، وانظر شرح (الميثاق) في الآية رقم [٧].

{لَعَنَهُمُ:} طردناهم، وأبعدناهم من رحمتنا. وهو قول عطاء. واللّعن: الإبعاد، والطّرد من الرحمة. وانظر الآية رقم [٥٢] من سورة (النّساء). {وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً} أي: صلبة، لا تعي خيرا، ولا تفعله. والقسوة، والقساوة عبارة عن الغلظ مع الصّلابة كما في الحجر، وقسوة القلب: نبوته عن الاعتبار، وعدم قبوله الموعظة، والنصيحة. فقسوته مستعارة من قساوة الحجر. انظر الآية رقم [٧٤] من سورة (البقرة) فإنّه جيد، والحمد لله! وقد قرئ: «(قسيّة)» وهو:

إمّا مبالغة: قاسية، أو بمعنى: رديئة، قال النحّاس: وهذا قول حسن؛ لأنّه يقال: درهم قسيّ:

إذا كان مغشوشا بنحاس، أو غيره، ذكر ذلك أبو عبيد، وأنشد قول أبي زبيد الطائي: [البسيط]

لها صواهل في صمّ السّلام كما... صاح القسيّات في أيدي الصّياريف

يصف وقع المساحي في الحجارة؛ إذ «السّلام»: الحجارة، والقاسية، والعاتية واحد.

{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ:} أي: يغيّرون كلام الله في التوراة، ويبدّلونه، فكانوا يغيرون صفات النبي صلّى الله عليه وسلّم الموجودة في التوراة، فقد وضعوا مكان: أبيض، ربعة: آدم طوال. وهكذا، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كانت اليهود يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسألونه عن الأمر، فيخبرهم به، فيرى: أنّه يأخذون بقوله، فإذا خرجوا من عنده؛ حرّفوا كلامه. وانظر الآية رقم [٤١] ففيها بحث جيد، هذا وقرئ: «الكلم» بكسر الكاف، وسكون اللام، وبفتح الكاف وكسر اللام، وهو جمع: كلمة، وهو مؤلف من كلمتين، أو أكثر، أفاد فائدة، أم لم يفد، وأمّا الكلام؛ فلا يكون إلا من كلمتين، أو أكثر، أفاد فائدة يحسن السّكوت عليها. قال ابن مالك، رحمه الله تعالى: [الرجز]

كلامنا لفظ مفيد كاستقم... واسم وفعل ثمّ حرف الكلم

{وَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ} أي: نسوا وعد الله الّذي أخذه الأنبياء عليهم من الإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم. وقال الحسن البصريّ-رحمه الله تعالى-: تركوا عرى دينهم، ووظائف الله تعالى؛ التي لا يقبل العمل إلا بها. أو المعنى: نسوا كثيرا من أحكام التّوراة، وآياتها بسبب سوء أعمالهم. فعن ابن مسعود-رضي الله عنه-: «قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية» وتلا هذه الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>