للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محذوف، التقدير: لطيف للذي، أو لشيء يشاؤه. {يا أَبَتِ..}. إلخ كله في محل نصب مقول القول، وجملة: (قال...) إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا.

{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ (١٠١)}

الشرح: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} أي: بعض الملك، وهو ملك مصر فقط. {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ} أي: فهم الكتب، أو علم تعبير الرؤيا، كما رأيت فيما سلف، و {مِنَ} أيضا للتبعيض لأنه لم يؤت كل التأويل. {فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}: خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق، وأصل الفطر: الشق، يقال: فطر ناب البعير: إذا شق وظهر، وفطر الله الخلق أوجده وأبدعه. {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ} أي: معيني ومتولي أموري وناصري. {تَوَفَّنِي مُسْلِماً}:

موحدا، وليس المراد أنه كان على ملة الإسلام الحادثة التي جاء بها محمد صلّى الله عليه وسلّم، وانظر الكلام الشافي على ذلك في الآية رقم [٦٧] من سورة (آل عمران). {وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ}: من آبائي وأجدادي، أو بعامة الصالحين في الرتبة والكرامة. فإذا قيل: درجات الأنبياء أفضل من درجات الصالحين، فما السبب في أن الأنبياء يطلبون جعلهم من الصالحين؟ وقد تمنى ذلك سليمان على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ذلك بقوله: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ!} أجيب: بأن الصالح الكامل، هو الذي لا يعصي الله، ولا يفعل معصية، ولا يهم بها، وهذه درجة عالية. انتهى. جمل نقلا عن الخطيب في سورة (النمل).

بعد هذا قال قتادة: لم يتمنّ الموت أحد، نبيّ ولا غيره إلا يوسف عليه السّلام حين تكاملت عليه النعم، وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء ربه عز وجل، وقيل: إن يوسف لم يتمن الموت، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام، أي: إذا جاء أجلي توفني مسلما، وهذا قول الجمهور، وقال سهل بن عبد الله التستري: لا يتمنى الموت إلا ثلاث: رجل جاهل بما بعد الموت، أو رجل يفر من أقدار الله عليه، أو مشتاق محب للقاء الله عز وجل. وثبت في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به، فإن كان لا بدّ متمنّيا، فليقل: اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرا لي». رواه مسلم.

تنبيه: ذكرت لك فيما مضى عمره، وأولاده، وأضيف: أنه لما مات تشاح الناس فيه، فطلب كل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته حتى هموا أن يقتتلوا، ثم اتفقوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر، وأن يدفنوه في النيل بحيث يجري الماء عليه، ويتفرق عنه، وتصل بركته، إلى الناس أجمعين، فبقي إلى أن أخرجه موسى عليه الصلاة والسّلام، وحمله معه حتى دفنه بقرب آبائه بالشام في الأرض المقدسة، وكان قد أوصى بذلك قبل وفاته، فسبحان من لا انقضاء لملكه!.

<<  <  ج: ص:  >  >>