للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتبار الجار والمجرور متعلقين بمحذوف صفة مفعول مطلق محذوف مع عامله، التقدير: أنذركم إنذارا مثل إنذار من تقدمني من الرسل؛ الذين أنذروا قومهم. ولا يجوز أن يكون العامل: {أَتَى} لأنّ ما بعد {ما} النافية، لا يعمل فيما قبلها. {ما:} نافية. {أَتَى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

{مِنْ قَبْلِهِمْ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول، والهاء في محل جر بالإضافة. {مِنْ:} حرف جر صلة. {رَسُولٍ:} فاعل: {أَتَى} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة: {ما أَتَى..}. إلخ مفسرة لمفهوم اسم الإشارة، لا محلّ لها مثله. {إِلاّ:} حرف حصر. {قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ:} ماض، وفاعله.

{ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ:} هو مثل الاية رقم [٣٩] بلا فارق، وجملة: {قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} في محل نصب حال مستثنى من عموم الأحوال.

{أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)}

الشرح: {أَتَواصَوْا بِهِ} أي: هل أوصى أولهم آخرهم، وبعضهم بعضا بالتكذيب، وتواطؤوا عليه؟! وفيه توبيخ لهم. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} أي: لم يتواصوا بهذا القول؛ لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد، بل جمعتهم على ذلك علّة واحدة، هي الطغيان، وهو الحامل لهم على ذلك.

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي: فأعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة، فلم يجيبوا عنادا، واستكبارا. {فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ} أي: فلا لوم عليك في إعراضك عنهم بعد ما بلغت الرسالة، وبذلت مجهودك في التبليغ، والدعوة، وما قاصرات فيما أمرت به.

{وَذَكِّرْ:} الناس بالقرآن، وعظهم به. {فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ:} خصّ المؤمنين بالمنفعة؛ لأنهم هم المنتفعون بالذكرى، ولكن في هذه الأيام قليلا ما تجدي الذكرى، وتنفع الموعظة، والنصيحة، وذلك بسبب كثرة المعاصي، وأكل الحرام. قال تعالى في سورة (المطففين): {كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ}. روي أنه لما نزلت: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واشتدّ ذلك على أصحابه، ورأوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، فأنزل الله: {وَذَكِّرْ..}.

إلخ، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ والتولي، والإعراض، والإدبار عن الشيء يكون بالجسم، ويستعمل في الإعراض عن الأمور المعنوية، والاعتقادات اتساعا، ومجازا، أما الطغيان؛ فهو مجاوزة الحد. يقال: طغى، يطغى، وطغا، يطغو: إذا جاوز الحد، وكل مجاوز حده في العصيان طاغ، وكل مسرف في الظلم، والمعاصي طاغ، وطغى البحر: هاجت أمواجه، وطغى السيل: جاء بماء كثير. قال تعالى في سورة (الحاقة) رقم [١١]: {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>