هذا؛ ويجوز في العربية اعتبار الموصول خبرا لمبتدأ محذوف، التقدير: هو الذي، أو في محل نصب بفعل محذوف، التقدير: أعني الذي. وهذان الوجهان لا يناسبان المقام مع جلال الله، وعظمته. {خَلَقَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {الَّذِي} وهو العائد، والمفعول محذوف للتعميم، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. (سوى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {الَّذِي،} والمفعول محذوف، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى} هذا الكلام معطوف على ما قبله، وهو مثله في إعرابه بلا فارق. (جعله): فعل ماض، والفاعل يعود إلى {الَّذِي} أيضا، والهاء مفعول به أول.
{غُثاءً:} مفعول به ثان. {أَحْوى:} قيل: صفة {غُثاءً،} وصحح ابن هشام اعتباره حالا من {الْمَرْعى،} وأخر لتناسب الفواصل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
الشرح:{سَنُقْرِئُكَ} أي: سنقرأ عليك القرآن يا محمد بواسطة جبريل. {فَلا تَنْسى:} هذا إخبار من الله، ووعد منه تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها. وهذه بشارة من الله -عزّ وجلّ-لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم بإعطائه آية بينة، وهي أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي؛ وهو أمي لا يقرأ، ولا يكتب، فيحفظه، ولا ينساه. وهذه الآية تدل على المعجزة من وجهين:
الأول: أنه كان رجلا أميا، فحفظه لهذا الكتاب المطول من غير دراسة، ولا تكرار خارق للعادة، فيكون معجزة. الثاني: أن هذه السورة من أول ما نزل بمكة، فهذا إخبار عن أمر عجيب، مخالف للعادة سيقع في المستقبل، وقد وقع، فيكون هذا إخبارا، فيكون معجزا.
انتهى. جمل نقلا من الخطيب. وفي الخازن: وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا نزل عليه جبريل بالوحي لم يفرغ جبريل من آخر الآية حتى يتكلم بأولها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخافة أن ينساها، فأنزل الله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى:} فلم ينس شيئا بعد ذلك. وانظر ما ذكرته في سورة (القيامة) الآية رقم [١٦] وما بعدها؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
{إِلاّ ما شاءَ اللهُ:} يعني أن تنساه، وهو ما نسخ الله تعالى تلاوته من القرآن، ورفعه بالصدور. وقيل: معناه إلا ما شاء الله أن تنساه، ثم تذكره بعد ذلك، كما صح من حديث عائشة -رضي الله عنها-قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يقرأ في سورة بالليل، فقال:«رحمه الله! لقد أذكرني كذا، وكذا آية، كنت أنسيتها من سورة كذا، وكذا». وفي رواية:«كنت أسقطتهن من سورة كذا». أخرجاه في الصحيحين.
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى:} من القول، والفعل. والمعنى: يعلم السر، والعلانية، قال الله تعالى في سورة (الأنعام): {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ}. وقال في سورة (النحل): {وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما}