للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش، والخطاب في الآية السابقة لجميع المخاطبين من بني آدم، والانتقال من الخطاب إلى الغيبة يسمى التفاتا، انظر الآية رقم [٤٣] من سورة (الرعد) تجد ما يسرك. هذا؛ ويقرأ: «(بالنّجم)» بضم النون المشددة مع ضم الجيم وتسكينها للتخفيف، والله أعلم بمراده. وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَعَلاماتٍ:} معطوف على {رَواسِيَ} وقال أبو البقاء: مفعول به لفعل محذوف، التقدير: ووضع فيها علامات، منصوب مثله، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، الواو: حرف استئناف. (بالنجم): متعلقان بالفعل بعدهما، والتقديم للقافية، لا للاختصاص. {هُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وجملة:

{يَهْتَدُونَ} خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها.

{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧)}

الشرح: في هذا الاستفهام إنكار شديد بعد إقامة الدلائل المتكاثرة على كمال قدرته، وتناهي حكمته، والتفرد بخلق ما عدد من مبدعاته في الآيات السابقة؛ لأن يساويه، ويستحق مشاركته ما لا يقدر على خلق شيء من ذلك، بل على إيجاد شيء ما، وكان حق الكلام: «أفمن لا يخلق كمن يخلق» لكنه عكس التشبيه تنبيها على أنهم بالإشراك بالله سبحانه وتعالى جعلوه من جنس المخلوقات العجزة شبيها بها.

والمراد ب‍: {(كَمَنْ لا يَخْلُقُ):} كلّ ما عبد من دون الله تعالى، مغلبا فيه أولو العلم على غير العاقلين، أو المراد بذلك الأصنام، وإجراؤها مجرى العقلاء؛ لأنهم سموها آلهة، ومن حق الإله أن يعلم ويعقل، أو عومل معاملة العقلاء للمشاكلة بينها، وبين من يخلق، أو للمبالغة في الإنكار، فكأنه قيل: إن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أهل العلم، فكيف بمن لا عنده علم البتة، ولا يعقل قطعا. وانظر الآية رقم [٤٩] الآتية.

{أَفَلا تَذَكَّرُونَ} يعني: هذا القدر من الإنكار ظاهر غير خاف على أحد، فلا يحتاج فيه إلى دقيق الفكر، والنظر، بل مجرد التذكر فيه كفاية لمن يعلم، ويعقل، ويعتبر، {وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ} هذا وقد حذف من الفعل إحدى التاءين، فإنّ الأصل: «تتذكرون» وهذا الحذف كثير ومستعمل في القرآن الكريم، والكلام العربي، ولا تنس: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، وهو عكس ما في الآية السابقة. تأمل.

بعد هذا فالهمزة في الكلمتين {أَفَمَنْ} {أَفَلا} للإنكار، وهي في نية التأخير عن الفاء؛ لأنها حرف عطف، وكذا تقدم على الواو، وثم تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ..}. إلخ وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ..}. إلخ وقوله:

{أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ..}. إلخ، وأخواتها تتأخر عن حروف العطف، كما هو قياس أجزاء

<<  <  ج: ص:  >  >>