للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١)}

الشرح: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ} أي: خلق أصلكم (وهو آدم) من تراب، وقد صرحت الآيات بسورة (الحجر) وسورة (الرحمن) وغيرهما بذلك. {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} أي: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} وهو المني؛ الذي يصب في رحم المرأة. هذا؛ وذكرت في سورة (الحج) وغيرها أن هذا الخلق من التراب على تأويلين: أحدهما غير مباشر، والثاني مباشر؛ فالأول خلق أبينا آدم من تراب، كما رأيت في سورة (الحجر) رقم [٢٦]. والثاني: كل واحد منّا خلق من التراب، وذلك إذا نظرنا إلى المادة التي يتخلق منها الإنسان، فإنها من الدم بلا ريب، والدم مصدره من الطعام، والشراب، وأنواع الغذاء، وكل ذلك مخرجه من التراب، كما هو معروف. {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ:} وهو المني سمي نطفة لقلته، وفي آية الحج رقم [٥] زيادة: {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}.

{ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً:} ذكرانا، وإناثا لطفا منه، ورحمة أن جعل لكم أزواجا من جنسكم لتسكنوا إليها، وزوج بعضكم من بعض؛ ليتم البقاء في الدنيا إلى انقضائها، وانظر شرح: {ثُمَّ} في الآية رقم [١١] من سورة (الروم). {وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ} أي: هو عالم بذلك، لا يخفى عليه من ذلك شيء، قال تعالى في سورة (الرعد) رقم [٨]: {اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ}.

{وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ} أي: وما يطول عمر أحد من الخلق، فيصبح هرما، ولا ينقص من عمر أحد، فيموت وهو صغير، أو شاب، إلا وهو مسجل في اللوح المحفوظ، لا يزاد فيما كتاب الله، ولا ينقص. وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-:

أنه قال في هذه الجملة: المعنى: ليس أحد قضيت له بطول العمر، والحياة، إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له، فإنما ينتهي إلى الكتاب؛ الذي قدرت، لا يزاد عليه.

وليس أحد قدرت له بأنه قصير العمر والحياة ببالغ، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له، فذلك قوله تعالى: {وَلا يُنْقَصُ..}. إلخ. وقد فسر قول ابن عباس هذا بأن للعبد أجلين: أحدهما ثابت، والثاني معلق على فعل شيء، واستدل له بما رواه أنس-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه». رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، واللفظ له. وقد مر هذا مفصلا بحمد الله عند قوله تعالى: {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ..}. إلخ الآية رقم [٣٩] من سورة (الرعد) فلا حاجة إلى المزيد هنا على ما ذكرته هناك. {إِنَّ ذلِكَ} أي: ما ذكر في هذه الآية من دلائل على قدرته. {عَلَى اللهِ يَسِيرٌ:} هين

<<  <  ج: ص:  >  >>