للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعراب: {اُدْعُوا:} أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. وانظر إعراب: {اُسْجُدُوا} في الآية رقم [١١]. {رَبَّكُمْ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة.

{تَضَرُّعاً:} حال من واو الجماعة بمعنى: متضرعين. وقيل: هو مفعول لأجله. {وَخُفْيَةً:} معطوف على ما قبله على الوجهين المعتبرين فيه، وجملة: {اُدْعُوا..}. إلخ مستأنفة لا محل لها {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} إعراب هذه الجملة، ومحلها مثل: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} في الآية رقم [٣١].

{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَاُدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)}

الشرح: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} أي: بالكفر، والمعاصي، والدعاء إلى غير طاعة الله تعالى، وإضرار الناس، كما فعل الأخنس. انظر الآية رقم [٢/ ٢٠٥]. {بَعْدَ إِصْلاحِها} أي:

ببعث الأنبياء، وشرع الأحكام، وتبيين الحلال، والحرام. {وَادْعُوهُ:} اسألوه، واطلبوا حوائجكم، قلّت، أو كثرت، عظمت، أم صغرت من الله وحده، فهو يجيب دعوة الداعين.

{خَوْفاً:} أصل الخوف: انزعاج في الباطن، يحصل من توقع أمر مكروه يقع في المستقبل.

وأما التخوف؛ فإنه يأتي بمعنى: التنقص، كما في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}. يروى: أن الفاروق-رضي الله عنه-قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى:

{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ؟} فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، وقال: هذه لغتنا، التخوف: التنقص.

قال: فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟، قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: [البسيط]

تخوّف الرّحل منها تامكا قردا... كما تخوّف عود النّبعة السفن

فقال عمر-رضي الله عنه-: أيها الناس عليكم بديوانكم لا تضلوا! قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم. هذا؛ ويأتي الخوف بمعنى:

العلم، وبه قيل في قوله تعالى: {فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً..}. إلخ. الآية رقم [٢/ ١٨٢]. وفي قوله تعالى: {إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ} الآية رقم [٢/ ٢٢٩]. {وَطَمَعاً:} الطمع: توقع محبوب يحصل في المستقبل. وانظر الآية رقم [٤٦]. {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ:} أصل الرحمة: رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وتستعمل تارة في الرقة المجردة عن الإحسان، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة، وإذا وصف بها الباري-عز وجل-فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد دون الرقة، فرحمة الله-جل علاه-عبارة عن الإفضال، والإنعام على عباده، وإيصال الخير إليهم. وقيل: هي إرادة إيصال الخير والنعمة إلى عباده، فعلى القول الأول تكون الرحمة من صفات الأفعال، وعلى القول الثاني تكون من صفات الذات. انتهى خازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>