للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محلّ لها؛ لأنّها لم تحلّ محلّ المفرد، و (أن) ومدخولها كلام مفيد لتعليل النهي، لا محلّ لها، هذا وقرئ بفتح همزة («أن») فتكون ناصبة، والمصدر المؤول منها، ومن الفعل بعده على هذا في محل جر بحرف جرّ محذوف، التقدير: لأن تكونوا، وهي قراءة شاذّة، وتكون الجملة: {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ} تعليلا للنهي أيضا بعد التعليل الأول.

{كَما:} الكاف: حرف تشبيه وجر. (ما): مصدرية. {تَأْلَمُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، و (ما) المصدرية، والفعل: {تَأْلَمُونَ} في تأويل مصدر في محل جرّ بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: فإنّهم يألمون ألما مثل ألمكم. وهذا ليس مذهب سيبويه، وإنّما مذهبه في مثل هذا التركيب أن يكون منصوبا على الحال من المصدر المضمر المفهوم من الفعل المتقدّم، وليس هذا منها، وجملة:

{وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ:} معطوفة على جملة: {يَأْلَمُونَ،} فإنّ المعنى: وإنكم ترجون من الله.

{ما:} مفعول به، وهي موصولة، أو موصوفة. {لا:} نافية. {يَرْجُونَ:} فعل مضارع وفاعله، والجملة الفعلية صلة: {ما} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير:

ويرجون من الله الذي، أو: شيئا لا يرجونه؛ أي: الكفار. {وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً:} إعرابها واضح، والجملة مستأنفة.

{إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥)}

الشرح: {إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ:} الواضح الّذي لا خفاء فيه، ولا غموض، والمراد بالكتاب: القرآن الكريم. {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ:} بما عرّفك الله، وأوحى إليك. وإنّما سمّي العلم اليقيني: رؤية؛ لأنّه جرى مجراها في قوّة الظّهور. {وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ:} لأجل الخائنين. {خَصِيماً:} مخاصما عنهم، أي: مدافعا عنهم، ومعينا لهم.

تنبيه: نزلت الآية الكريمة، وما بعدها في طعمة بن أبيرق من بني ظفر من الأنصار، وكان قد سرق درعا من جاره المسلم قتادة بن النّعمان-رضي الله عنه-في جراب فيه أثر دقيق، فجعل الدّقيق ينتثر من خرق فيه، وخبّأها عند رجل من اليهود، يقال له: زيد بن السّمين، فالتمست الدّرع عند طعمة بسبب أثر الدّقيق، فلم توجد، وحلف بالله ما أخذها، وما له بها من علم، فتركوه، واتبعوا أثر الدّقيق حتى انتهى إلى نزل اليهودي، فأخذوها، فقال: دفعها إليّ طعمة بن أبيرق، وشهد له ناس من اليهود، فقال بنو ظفر: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنسأله أن يجادل عن صاحبنا، فذهبوا، وقالوا: يا رسول الله! إن لم تفعل؛ هلك طعمة، وافتضح، وبرئ اليهوديّ! فهمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يفعل، فنزل جبريل الأمين-عليه السّلام-بهذه الآيات، ولمّا

<<  <  ج: ص:  >  >>