هذا؛ وسأل بعض الملوك وزيره عن معنى الاية، فاستمهله إلى الغد، وذهب كئيبا يفكر فيها، فقال له غلام أسود: يا مولاي! أخبرني ما أصابك؛ لعل الله يسهل لك على يدي؟! فأخبره، فقال:
أنا أفسرها للملك، فأعلمه. فقال: أيها الملك شأن الله أن يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويشفي سقيما، ويسقم سليما، ويبتلي معافى، ويعافي مبتلى، ويعز ذليلا، ويذل عزيزا، ويفقر غنيا، ويغني فقيرا، فقال الملك:
أحسنت، وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة. فقال: يا مولاي هذا من شأن الله!.
وقيل: إن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل، وقال له: أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي. قوله تعالى:{فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ} رقم [٣١] من سورة (المائدة) وقد صح أن الندم توبة. وقوله تعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وقد صح: أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة. وقوله تعالى في سورة (النجم) الاية رقم [٣٩]: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى،} فما بال الأضعاف؟ فقال الحسين: يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة، ويكون توبة في هذه الأمة. وقيل: إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل، ولكن على حمله. وأما قوله تعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فإنها شؤون يبديها، لا شؤون يبتديها. وأما قوله:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} فمعناه: ليس له إلا ما سعى عدلا، ولي أن أجزيه بواحدة ألفا فضلا. فقام عبد الله وقبل رأسه وسوغ خراجه. انتهى. قرطبي، وكشاف، ونسفي.
الإعراب:{يَسْئَلُهُ:} فعل مضارع، والهاء مفعول به أول، والمفعول الثاني محذوف للتعميم. {مَنْ:} اسم موصول، مبني على السكون في محل رفع فاعل. {فِي السَّماواتِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {وَالْأَرْضِ:} الواو: حرف عطف. (الأرض):
معطوف على ما قبله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، وأجيز اعتبارها في محل نصب حال من {وَجْهُ رَبِّكَ}. {كُلَّ:} قال ابن الأنباري: منصوب على الظرفية، وهو معمول الظرف الذي هو {فِي شَأْنٍ}. وقال الجمل:{كُلَّ} منصوب بالاستقرار، الذي تضمنه الخبر. وقال أبو البقاء: هو ظرف لما دل عليه: {هُوَ فِي شَأْنٍ}. هذا؛ ويجوز تعليقه بالفعل {يَسْئَلُهُ} فيكون الوقف على {كُلَّ يَوْمٍ} وما بعده جملة مستأنفة، و {كُلَّ} مضاف، و {يَوْمٍ} مضاف إليه. {هُوَ:} مبتدأ.
الشرح:{فَبِأَيِّ..}. إلخ: انظر الاية رقم [١٣]. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ:} قيل: هذا وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة، وليس هو فراغا عن شغل؛ لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن. فهو كقول القائل: لمن يريد تهديده: لأتفرغن لك؛ وما به شغل. وهذا قول ابن عباس