-رضي الله عنهما-، وإنما حسن ذكر هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن. وقيل: معناه سنقصدكم بعد الترك، والإمهال، ونأخذ في أمركم، فهو كقول القائل الذي لا شغل له: قد فرغت لك. وقيل:
معناه: إن الله وعد أهل التقوى، وأوعد أهل الفجور، فقال: سنفرغ لكم مما وعدناكم، وأخبرناكم، فنحاسبكم، ونجازيكم، فننجز لكم ما وعدناكم، فنتم ذلك، ونفرغ منه، فهو على طريق المثل، والاستعارة، مثل قول الرجل لمن يتهدده: سأفرغ لك، يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني. وأراد بالثقلين: الإنس، والجن، سمّيا ثقلين؛ لأنهما ثقلا على الأرض أحياء، وأمواتا. وقيل: كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه، فهو ثقل، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي» فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما. وقال جعفر بن محمد الصادق: سمّي الإنس، والجن ثقلين؛ لأنهما مثقلان بالذنوب. هذا؛ وقال:{سَنَفْرُغُ لَكُمْ} فجمع، ثم قال:{أَيُّهَ الثَّقَلانِ} لأنهما فريقان، وكل فريق جمع، وكذا قوله تعالى:{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ} ولم يقل: إن استطعتما؛ لأنهما فريقان في حال الجمع، كقوله تعالى:{فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ} الاية رقم [٤٥] من سورة (النمل)، وقوله تعالى:{هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الاية رقم [١٩] من سورة (الحج).
تنبيه: قرأ الجمهور {أَيُّهَ} بفتح الهاء، وبدون ألف، وقرأ ابن عامر بضمها، ووجهه: أن تجعل الهاء من نفس الكلمة، فيكون إعراب المنادى فيها. وضعف أبو علي الفارسي ذلك جدا، وقال: آخر الاسم هو الياء الثانية من (أيّ) فالمضموم ينبغي أن يكون آخر الاسم، ولو جاز ضم الهاء هاهنا لاقترانها بالكلمة لجاز ضم الميم في:(اللهم) لاقترانها بالكلمة في كلام طويل.
والصحيح: أنه إذا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قراءة، فليس إلا اعتقاد الصحة في اللغة، فإن القرآن هو الحجة، وأنشد الفراء:[الرجز] يا أيّه القلب اللجوج النّفس... أفق من البيض الحسان اللّعس
وبعضهم يقف:{أَيُّهَ} وبعضهم يقف: (أيها) بالألف؛ لأن علة حذفها في الوصل، إنما هو سكونها وسكون اللام، فإذا كان الوقف ذهبت العلة، فرجعت الألف، وهذا الاختلاف الذي ذكرته، كذلك هو في الاية رقم [٣١] من سورة (النور): {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وأيضا الاية رقم [٤٩] من سورة (الزخرف) وهي: {وَقالُوا يا أَيُّهَا السّاحِرُ ادْعُ..}.
إلخ، وقد رسمت الهاء في هذه المواضع الثلاثة بدون ألف، وثبتت في غير هذه المواضع حملا على الأصل، كما تراه في جميع آيات القرآن.
الإعراب:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ:} انظر الاية رقم [١٣]. {سَنَفْرُغُ:}(السين): حرف استقبال. (نفرغ): فعل مضارع، والفاعل مستتر فيه وجوبا تقديره:«نحن»، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {أَيُّهَ:} نكرة مقصودة مبنية