للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محكمة آياته، لم ينسخ منها شيء. وقيل: {الْحَكِيمِ} بمعنى المحكوم فيه؛ أي: حكم الله فيه بالعدل، والإحسان، وبالنّهي عن الفحشاء، والمنكر، وبالجنّة لمن أطاعه، وبالنّار لمن عصاه.

الإعراب: {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {نَتْلُوهُ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل مستتر وجوبا، تقديره: نحن، والجملة الفعلية في محلّ رفع خبر المبتدأ. {مِنَ الْآياتِ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب، والعامل الفعل، كما يجوز أن يكونا متعلّقين بخبر ثان للمبتدإ محذوف، كما جوز اعتبار ذلك خبرا لمبتدإ محذوف، التقدير: الأمر ذلك. وفيه ضعف ظاهر، وعلى جميع الاعتبارات؛ فالجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها. {وَالذِّكْرِ:} معطوف على: {الْآياتِ}. {الْحَكِيمِ:} صفته.

{إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)}

الشرح: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى..}. إلخ أي: شأن عيسى الغريب، وحاله العجيب كشأن آدم، وحاله، وهو من تشبيه الغريب بالأغرب، والعجيب بالأعجب؛ ليكون أوقع في النفس، وأقطع للخصم، وأفحم له، وإن كان بين آدم، وعيسى-على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام- فرق كبير. بعد أن يجتمعا في وصف واحد، فإنّ آدم خلق من تراب، ولم يخلق عيسى من تراب، فكان بينهما فرق من هذه الجهة، ولكن شبه ما بينهما: أنّهما خلقا من غير أب. {خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ:} صوّر جسمه من طين لازب مأخوذ من التراب. هذا؛ وقال تعالى في سورة (مريم):

{ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} ثم قال له: كن فيكون: أي: أحدث، فيحدث، فهو حكاية حال ماضية، أي: فكان بشرا سويّا، قال الشاعر: [الطويل]

إذا ما أراد الله أمرا فإنّما... يقول له كن قولة فيكون

هذا؛ و {آدَمَ} أصله: أأدم بهمزتين، انظر: (آل) في الآية رقم [١١] فهو مثله في إعلاله.

تنبيه: ذكرت لك في أوّل هذه السورة: أنّ وفد نجران، قدموا على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا، وتسبّه؟ فقال: من هو؟ قالوا: عيسى! تزعم: أنه عبد الله، قال: أجل! إنّه عبد الله! فقالوا: هل رأيت له مثلا خلق من غير أب؟! ومن لا أب له؛ فهو ابن الله. ثمّ خرجوا من عنده، فجاءه جبريل، عليه السّلام، فقال له: قل لهم إذا أتوك: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ..}. إلخ. والمعنى: أنّ من لم يقرّ بأنّ الله تعالى خلق عيسى من غير أب، مع اعترافه بخلق آدم من غير أب خارج عن طور العقلاء. انتهى خازن، وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>