الشرح:{إِنَّ الْأَبْرارَ} أي: الذين بروا في وعودهم، وصدقوا في إيمانهم بأداء ما افترض الله عليهم، واجتناب معاصيه، وبروا الناس بالإحسان إليهم، واللطف بهم، والرفق في معاملاتهم، ومعاشرتهم. وانظر سورة (الدهر) رقم [٥]. {لَفِي نَعِيمٍ:} لفي بهجة، وسرور لا يوصف، يتنعمون في رياض الجنة، بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهم مخلدون في ذلك، لا يبرحون، ولا يهرمون. هذا؛ والنعيم: التنعم، والترفه، وأيضا النعيم: النعمة بفتح النون، يقال: نعمه الله، وناعمه، وامرأة منعمة ومناعمة بمعنى، والمعنى إن الأبرار في الجنات يتنعمون. {وَإِنَّ الْفُجّارَ} أي: الكفرة، والفسقة، والملاحدة؛ الذين عصوا ربهم في الدنيا، وخالفوا أوامره. {لَفِي جَحِيمٍ:} لفي نار محرقة، وعذاب دائم مقيم في دار الجحيم. {يَصْلَوْنَها:} يدخلونها، ويقاسون حرها. {يَوْمَ الدِّينِ:} يوم الحساب، والجزاء؛ الذي كانوا يكذبون به في الدنيا. ما ألطف هذه المقابلة في الآيتين بين الأبرار، والفجار! وفيهما أيضا فنّ الترصيع، وكل ذلك من المحسنات البديعية. {وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ} أي: لا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة، ولا يخفف عنهم من عذاب النار، ولا يجابون إلى ما يسألون من الموت، أو الراحة؛ ولو يوما واحدا. وقيل: معناه: وما يغيبون عنها قبل ذلك؛ إذ كانوا يجدون سمومها في القبور، وهو كقوله تعالى:{وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها} رقم [٣٧] من سورة (المائدة)، وأيضا سورة (البقرة) رقم [١٦٧].
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْأَبْرارَ:} اسمها. {لَفِي:} اللام: هي المزحلقة.
(في نعيم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين، والتي بعدها معطوفة عليها، وإعرابها مثلها. {يَصْلَوْنَها:} فعل مضارع مرفوع، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير المستتر في الجار، والمجرور لوقوعهما خبرا عن {إِنَّ،} وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها. وأجاز أبو البقاء اعتبارها صفة ل:{جَحِيمٍ،} والرابط: الضمير المنصوب. {يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، و {يَوْمَ} مضاف، و {الدِّينِ} مضاف إليه. {وَما:} الواو: واو الحال. (ما): نافية حجازية تعمل عمل: «ليس». {هُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع اسم (ما).
{عَنْها:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {بِغائِبِينَ:} الباء: حرف جر صلة. (غائبين): خبر (ما) مجرور لفظا، منصوب محلا، والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.