للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِنْ:} الواو: حرف عطف. ({إِنْ}): حرف شرط جازم. {تَوَلَّوْا:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة التي هي فاعله في محل جزم فعل الشرط، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها، كما رأيت في التي قبلها.

{فَإِنَّما:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (إنما): كافة ومكفوفة. {عَلَيْكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْبَلاغُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لا تحلّ محلّ المفرد، و (إن) ومدخولها معطوف على ما قبله، لا محل له مثله، والجملة الاسمية: {وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} معترضة في آخر الكلام، فيها وعد، ووعيد.

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١)}

الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ:} يجحدون القرآن، وينكرونه، وهم اليهود، والنصارى. {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} إلخ: كان أكثر أنبياء بني إسرائيل يأتيهم الوحي، ولم يكن يأتيهم كتاب، مثل: يحيى، وزكريا، ويوشع، وشمويل، وحزقيل، وغيرهم؛ لأنهم كانوا ملتزمين بأحكام التوراة، فكانوا يعظون قومهم، وينصحونهم، فيقتلونهم، فيقوم رجال ممّن آمن بهم، وصدّقهم، فيذكّرونهم، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، فيقتلونهم أيضا. فهم {الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ} أي: بالعدل بين الناس.

روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي عبيدة بن الجراح-رضي الله عنه-قال: قلت:

يا رسول الله! أيّ الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال: «رجل قتل نبيّا، أو رجلا أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر» ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: {وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا عبيدة! قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيّا من أوّل النّهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل، فأمروهم بالمعروف، ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم الذين ذكرهم الله في كتابه، وأنزل الآية فيهم».

{فَبَشِّرْهُمْ:} أمر من البشارة، وهي الإخبار بما يظهر أثره على البشرة-وهي ظاهر الجلد- لتغييرها بأوّل خبر يرد عليها، ثمّ الغالب أن يستعمل في السرور مقيدا بالخبر المبشّر به، وغير مقيد به أيضا، ولا يستعمل في الشر إلا مقيدا منصوصا على المبشّر به على سبيل التهكّم، كما في هذه الآية، وقال تعالى في سورة (النّحل) رقم [٥٨]: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}. هذا؛ وحمله بعضهم على الاستعارة، وهو: أنّ إنذار الكفار بالعذاب قام مقام

<<  <  ج: ص:  >  >>