للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)}

الشرح: {وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ}: يختارك ويصطفيك، والاجتباء: اختيار معالي الأمور للمجتبى، وأصله من: جبيت الشيء، أي: حصلته، ومنه: جبيت الماء في الحوض، قاله النحاس، هذا؛ وأقول: يطلق الناس في هذه الأيام على الموظف الذي يحصل الضرائب من المكلفين اسم الجابي، أي: للمال، وفي الخازن: واجتباء الله للعبد تخصيصه إياه بفيض إلهي، تحصل منه أنواع المكرمات بلا سعي من العبد، وذلك مختص بالأنبياء، وببعض من يقاربهم من الصديقين، والشهداء والصالحين. انتهى.

{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ} أي: من تعبير الرؤيا في المنام، فالمراد بالأحاديث: ما يراه الناس في النوم، وهي معجزة له، فإنه لم يلحقه فيها خطأ، وكان أعلم الناس بتأويلها، وكان نبينا صلّى الله عليه وسلّم نحو ذلك، وكان الصديق رضي الله عنه من أعبر الناس لها بعده صلّى الله عليه وسلّم، وحصل لابن سيرين فيها التقدم العظيم، ونحوه، أو قريب منه كان سعيد بن المسيب فيما ذكروا، وقيل:

المعنى: يعلمك أحاديث الأمم ودلائل التوحيد وتأويل غوامض كتب الله، وسنن الأنبياء وكلمات التوحيد، والمعتمد الأول. هذا؛ و (أحاديث) جمع تكسير، فيقال لواحد ملفوظ به:

وهو حديث، وقد شذ جمعه على: (أحاديث) كما شذ أباطيل، وأفاظيع، وأعاريض، في جمع باطل، وفظيع، وعريض.

{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} أي: بالنبوة بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة، وإن منصب النبوة أعلى من جميع المناصب. {وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ} أي: بنيه، وذلك بالنبوة أيضا، فإنهم منحوا النبوة كما ستعرفه فيما يأتي. {كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ} أي: أتم النعمة عليهما بالرسالة والنبوة، وأتمها على إبراهيم بالخلة، والإنجاء من النار، قيل: أتمها على إسحاق بإنقاذه من الذبح، وفدائه بذبح عظيم، والمعتمد: أن الذبيح إسماعيل عليه السّلام، كما ستعرفه في سورة (الصافات) إن شاء الله تعالى. {عَلِيمٌ} أي: بمن يستحق الاجتباء. {حَكِيمٌ}: يفعل الأمور على ما ينبغي. هذا؛ وانظر أعمار الأسرة الكريمة في الآية [٧١] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

بعد هذا انظر شرح {رَبُّكَ} في الآية رقم [٣] من سورة (هود)، و {آلِ} أصله أهل، فأبدلت الهاء همزة ساكنة، فصار أأل، ثم أبدلت الهمزة الثانية الساكنة مدّا مجانسا لحركة الهمزة الأولى على القاعدة، مثل آمن أومن إيمانا، أصله أأمن، أؤمن، أئمن، إئمانا، وقلب الهاء همزة سائغ مستعمل لغة، كما في: (أراق)، فإن أصله: (هراق)، وهذا مذهب سيبويه، وقال الكسائي: أصل آل (أول) ك‍

<<  <  ج: ص:  >  >>