{ثُمَّ:} حرف عطف. {يُحَرِّفُونَهُ:} فعل مضارع، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مثلها. {مِنْ بَعْدِ:} متعلقان بما قبلهما و {بَعْدِ} مضاف، و {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة، وجملة:{عَقَلُوهُ} صلته، وإن اعتبرت {ما} مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر، ويكون المصدر في محل جر بالإضافة، التقدير: من بعد عقلهم له. {وَهُمْ:} الواو: واو الحال. ({هُمْ}): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وجملة:{يَعْلَمُونَ} مع المفعول المحذوف في محل رفع خبره، والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة بقوله: عقلوه فتكون حالا مؤكدة؛ لأنّ معناها قد فهم من قوله:{عَقَلُوهُ}. والأولى اعتبارها حالا من واو الجماعة بقوله:
{يُحَرِّفُونَهُ} أي: يحرفونه حال علمهم بذلك. تأمل، وتدبر.
الشرح: قال الخازن رحمه الله تعالى: نزلت هذه الآية في اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إنّ منافقي اليهود، كانوا إذا لقوا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا لهم: آمنا بالذي آمنتم به، وإن صاحبكم لصادق، وإن قوله الحق، وإنّا نجد نعته، وصفته في كتابنا.
{وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا:} انظر الآية رقم [١٤] ففيها البحث كاف واف مع ملاحظة الفرق بأنّ ما هنا نزل بمنافقي اليهود، وما هناك نزل بمنافقي العرب: عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وأصحابه. {وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ} يعني: كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، وغيرهما من رؤساء اليهود لاموا المنافقين منهم على ذلك. {قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ} أي: قصّ، وبيّن، وفصّل في كتابكم التوراة من صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومنه قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٨٩]: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ} وما يشبهها في سورة (الشعراء) رقم [١١٨]، وقال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [١٩]: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ}.
{لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ:} ليحتجّوا عليكم بما أنزل الله في كتابه، أو ليحتجوا عليكم بقولكم، يقولون لكم: كفرتم به بعد أن عرفتم صدقه. والمراد بقوله:{عِنْدَ رَبِّكُمْ} قيل: في الآخرة، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} رقم [٣١] من سورة (الزّمر). هذا؛ والحجة: الكلام المستقيم على الإطلاق، ومن ذلك محجّة الطريق الواضحة، وحاججت فلانا، فحججته؛ أي: غلبته بالحجّة، ومنه الحديث الذي ذكرته في الآية رقم [٣٦]:
«فحجّ آدم موسى»؛ أي: فغلبه. {أَفَلا تَعْقِلُونَ:} هذا من قول الأحبار اللائمين للمنافقين منهم.