للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَسْبَحُونَ} أي: يجرون، ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء، وإنما جمعهن جمع المذكر العاقل بالواو، والنون؛ لأنه ذكر عنهن فعل العقلاء، وهو السباحة، والجري، وجعلهن في الطاعة، والانقياد بمنزلة من يعقل، وهذا يتكرر في القرآن الكريم، وقد ذكرته لك في محاله.

هذا؛ و (الفلك) بفتحتين: مدار النجوم الذي يضمها، وهو في كلام العرب كل شيء مستدير، وجمعه: أفلاك ويجمع على: فلك، مثل: أسد وأسد، وقيل: الفلك: السماء الذي فيه الكواكب، فكل كوكب يجري في السماء الذي قدر له أن يجري فيه، وقيل: الفلك طاحونة كهيئة فلك المغزل، فهو الذي تجري فيه النجوم، وهو مستدير كاستدارة الرحى، وقيل: غير ذلك، وقال أصحاب الهيئة: الأفلاك: أجرام صلبة، لا ثقيلة، ولا خفيفة، غير قابلة للخرق، والالتئام، والنمو، والذبول. والحق: أنه لا سبيل إلى معرفة صفة السموات إلا بإخبار الصادق، فسبحان الخالق، المدبر لخلقه بالحكمة، والقدرة الباهرة غير المتناهية. ولا تنس: أن الله تعالى ذكر في غير هذه الآية: أنه سخر ما ذكر لمنافع العباد فوق أنها من الآيات الدالة على قدرته ووحدانيته، وانظر الآية رقم [٣٣] وما بعدها من سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وأتم تسليم، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه!

الإعراب: {وَهُوَ:} الواو: حرف استئناف. (هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ. {خَلَقَ:} ماض، وفاعله يعود إلى {الَّذِي} وهو العائد، والجملة صلته. {اللَّيْلَ:} مفعول به، وما بعده معطوف عليه، والجملة الاسمية: (هو...) إلخ: مستأنفة لا محل لها. {كُلٌّ:} مبتدأ سوغ الابتداء به الإضافة التي رأيتها في الشرح. {فِي فَلَكٍ:} متعلقان بما بعدهما. {يَسْبَحُونَ:} مضارع مرفوع

إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، هذا؛ وأجيز اعتبار الجار والمجرور متعلقين بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة: {يَسْبَحُونَ} في محل نصب حال من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، وأولى منه اعتبار الجملة خبرا ثانيا، والجملة الاسمية: {كُلٌّ..}. إلخ في محل نصب حال من الليل، وما عطف عليها، والرابط: الضمير المقدر إضافة كل إليه.

{وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤)}

الشرح: {وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} أي: لم نجعل لنبي، ولا لغيره قبلك دوام البقاء في الدنيا، فقد نزلت الآية حين قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون، أي: الموت فنشمت بموته، فنفى الله الشماتة عنه بهذا. {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ:} التقدير: أفهم الخالدون؟ والمعنى:

لا خلود في الدنيا لبشر أبدا، وحق ألف الاستفهام إذا دخلت على حرف شرط أن تكون رتبتها قبل جواب الشرط، فالمعنى: أفهم الخالدون إن مت؟ ومثله الآية رقم [١٤٤] من سورة (آل عمران).

<<  <  ج: ص:  >  >>