للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف العلماء في ركوب الهدي، فقال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: يجوز ركوبها، والحمل عليها من غير ضرر بها؛ لما روي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يسوق بدنة، فقال: «اركبها» فقال: يا رسول الله! إنّها بدنة، فقال: «اركبها». قال: إنّها بدنة، قال: «اركبها ويلك!». في الثانية، أو في الثّالثة. أخرجاه في الصحيحين. وروى جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-وسئل عن ركوب الهدي، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتّى تجد ظهرا» وهذا يؤيد حجة أهل الرأي الذين يقولون: لا يركبها إلاّ أن يضطر إليها.

{ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي: محل نحر الهدايا عند البيت العتيق، والمراد به: جميع أرض الحرم. روي عن جابر-رضي الله عنهما-في حديث حجة الوداع: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نحرت هاهنا، ومنى كلّها منحر، فانحروا في رحالكم». ومن قال الشعائر: المناسك، فالمراد: التحلل منها إلى البيت، أي: يطوفون به طواف الإفاضة، ويحلقون بعد رمي جمرة العقبة، ويلبسون ثيابهم، ويحل لهم ما كان محظورا عليهم من محرمات الإحرام. والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والماب.

الإعراب: {لَكُمْ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {فِيها:} متعلقان بالخبر المحذوف، أو بمحذوف خبر ثان، أو بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر المحذوف. {مَنافِعُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {إِلى أَجَلٍ:} متعلقان بمحذوف صفة {مَنافِعُ}.

{مُسَمًّى:} صفة {أَجَلٍ} مجرور مثله، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والألف الثابتة دليل عليها، وليست عينها. {ثُمَّ:} حرف عطف. {مَحِلُّها:} مبتدأ، و (ها): في محل جر بالإضافة. {إِلَى الْبَيْتِ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. {الْعَتِيقِ:} صفة (البيت)، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اِسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤)}

الشرح: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} أي: جماعة مؤمنة سلفت قبلكم. {جَعَلْنا مَنْسَكاً:} قرئ بكسر السين؛ أي: مذبحا وهو موضع ذبح القربان. وقرئ بفتح السين على أنه مصدر، بمعنى: إراقة الدم، وذبح القرابين. {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ:} المراد بها:

الضحايا، والهدايا للبيت تكون من النّعم، وهي: الإبل، والبقر، والغنم، والماعز، سماها الله بهيمة؛ لأنها لا تتكلم، وقيد بالأنعام؛ لأن ما سواها لا يجوز ذبحه في القرابين؛ وإن جاز أكله من حيوانات البر والبحر. {فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} أي: لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فاذكروا على ذبح قرابينكم اسمه وحده. {فَلَهُ أَسْلِمُوا} أي: أخلصوا له العبادة،

<<  <  ج: ص:  >  >>