الشرح:{وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ}: الدابة: اسم لكل حيوان يدب على وجه الأرض، من إنسان، وحيوان، ووحش، وهوام، وغير ذلك؛ فلذا يطلق لفظ «دابة» على الذكر والأنثى مما ذكر، وفي العرف يطلق لفظ الدابة على ذوات الأربع من الحيوان، وانظر الآية [٥٦] الآتية.
{إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها}: غذاؤها، ومعاشها؛ لتكفله إياها تفضلا ورحمة، فهو إلى مشيئته إن شاء رزق، وإن شاء لم يرزق. {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها}: أماكنها في الحياة والممات، أو الأصلاب والأرحام، أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل، وقيل: مستقرها في الجنة، أو في النار، ومستودعها في القبر، يدل عليه قوله تعالى في وصف أهل الجنة وأهل النار:
{حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً} و {ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً،}{كُلٌّ}: كل واحد من الدواب وأحوالها.
{كِتابٍ مُبِينٍ} أي: مذكور في اللوح المحفوظ.
قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: وكأنه أريد بالآية بيان كونه عالما بالمعلومات كلها، وبما بعدها بيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها، تقريرا للتوحيد، وبيانا لما سبق من الوعد والوعيد.
بعد هذا {مُبِينٍ}: اسم فاعل من أبان الرباعي، أصله مبين، بسكون الباء، وكسر الياء، فنقلت كسرة الياء إلى الباء بعد سلب سكونها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ولا تنس: أن اسم الفاعل من «بان» الثلاثي بائن أصله باين، وإعلاله مثل إعلال (قائم) في الآية رقم [١٢] -من سورة (يونس) -وهذا؛ و {وَيَعْلَمُ} بمعنى يعرف، وانظر الآية رقم [٦١] - من سورة (الأنفال)، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَما}: الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {مِنْ}: حرف جر صلة. {دَابَّةٍ}:
مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الجر الزائد. {فِي الْأَرْضِ}: متعلقان بمحذوف صفة دابة. {إِلاّ}: حرف حصر. {عَلَى اللهِ}: متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {رِزْقُها}: مبتدأ مؤخر، وها: في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{وَما مِنْ دَابَّةٍ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.
{وَيَعْلَمُ}: مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهِ}. {مُسْتَقَرَّها}: مفعول به، و (ها): في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر الميمي لفاعله، وقل مثله في الذي بعده. {وَمُسْتَوْدَعَها}: معطوف على ما قبله، وجملة:{وَيَعْلَمُ..}. إلخ: معطوفة على جملة: {عَلَى اللهِ رِزْقُها} فهي في محل رفع