للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن هشام في المغني: ويجوز أن يكون {لَيَسْجُنُنَّهُ} جوابا ل‍ {بَدا؛} لأن أفعال القلوب، لإفادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم، قال: [الكامل]

ولقد علمت لتأتينّ منيّتي... إنّ المنايا لا تطيش سهامها

وهذا هو الشاهد رقم [٧٥٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب».

{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)}

الشرح: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ} أي: غلامان كانا للوليد ملك مصر، أحدهما: خبازه، والآخر: صاحب شرابه، وكان قد غضب عليهما الملك فحبسهما، والسبب في ذلك: أن جماعة من أشراف مصر أرادوا قتله، فضمنوا لهذين الغلامين مالا على أن يسمّا الملك في طعامه وشرابه، فأجابا إلى ذلك، ثم إن الساقي ندم، فرجع عن ذلك، وقبل الخباز الرشوة، وسم الطعام، فلما حضر الطعام والشراب بين يدي الملك، قال الساقي: لا تأكل أيها الملك؛ فإن الطعام مسموم، وقال الخباز: لا تشرب؛ فإن الشراب مسموم، فقال للساقي: اشرب فشربه، فلم يضره، وقال للخباز: كل من طعامك، فأبى، فأطعم منه دابة فهلكت، فأمر الملك بحبسهما، فحبسا مع يوسف، وكان يوسف عليه السّلام لما دخل السجن جعل ينشر علمه، ويقول: إني أعبر الأحلام، فقال أحد الغلامين لصاحبه: هلم فلنجرب هذا الغلام العبراني، فتراءيا له رؤيا، فسألاه من غير أن يكونا قد رأيا شيئا، وقيل: بل كانا قد رأيا رؤيا حقيقية، فرآهما يوسف مهمومين، فسألهما عن شأنهما، فذكرا أنهما غلامان للملك، وقد حبسهما، وقد رأيا رؤيا قد غمتهما، فقال: قصا علي ما رأيتما، فقصّا عليه ما رأياه. قال أحدهما-وهو صاحب شراب الملك- {إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً}: إني رأيت في المنام أعصر عنبا، وهو حكاية حال ماضية، وسمي العنب خمرا باسم ما يؤول إليه.

وقال الآخر: أي: الخباز. {إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} أي: رأيت في المنام أني حامل فوق رأسي خبزا، والطير تنهش منه. {نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ}: خبرنا بتفسير ما رأينا، وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا، {إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي: من العالمين بتعبير الرؤيا. ويكون الإحسان بمعنى العلم، وقال الضحاك: إحسانه كان إذا مرض إنسان في السجن؛ عاده، وقام عليه، وإذا ضاق على أحد؛ وسع عليه، وإذا احتاج أحد جمع له شيئا، وكان مع هذا يجتهد في العبادة؛ يصوم النهار، ويقوم الليل كله للصلاة، فأحبه أهل السجن لذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>