رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيضا، بلغه إلى الخلق. وقيل: الذي جاء بالصدق هو جبريل، عليه الصلاة، والسّلام جاء بالقرآن، وصدق به محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: الذي جاء بالصدق: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصدق به: أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-. وقيل: الذي جاء بالصدق: الأنبياء، والذي صدق به: الأتباع. وقيل:
الذي جاء بالصدق: أهل القرآن، وهو الصدق، يجيئون يوم القيامة، وقد أدّوا حقه، فيقولون: هذا ما أعطيتمونا، فعملنا فيه بما أمرتمونا. وهذا القول يشمل كل المؤمنين. فإن المؤمنين يقولون الحق، ويعملون به، والرسول صلّى الله عليه وسلّم أولى الناس بالدخول في هذه الآية، فإنه جاء بالصدق وصدق به المرسلين. وعلى هذا؛ وسابقه ف:(الذي) يكون بمعنى: الجمع: الذين، ويكون قد روعي لفظها بإرجاع الضميرين بالفعلين، وروعي معناها بقوله:{أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ..}. إلخ، وتكون الآية مثل قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٧]: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً..}. إلخ، وقوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٦٩]: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا} ومثل هذه الآيات قول الأشهب بن زميلة النهشلي، وهو الشاهد رقم (٣٤٦) من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]
وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم... هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد
الإعراب:{وَالَّذِي:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. (الذي): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {جاءَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:(الذي)، وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {بِالصِّدْقِ:} متعلقان بما قبلهما، وجملة:{وَصَدَّقَ بِهِ} معطوفة عليها، لا محل لها مثلها، أو هي صلة لموصول محذوف، معطوف على ما قبله، على حسب ما رأيت في الشرح. هذا؛ وقرأ عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- «(والّذين جاؤوا بالصّدق وصدّقوا به)» وهي قراءة على التفسير. {أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {هُمُ:} ضمير فصل لا محل له. {الْمُتَّقُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. هذا؛ وإن اعتبرت الضمير مبتدأ ثانيا و {الْمُتَّقُونَ} خبره، فتكون الجملة الاسمية في محل رفع خبر (أولئك) والجملة الاسمية على الوجهين في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والجملة الاسمية:{وَالَّذِي..}. لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الواو.
{لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤)}
الشرح:{لَهُمْ:} للمتقين المذكورين في الآية السابقة. {ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي: كل ما يشتهون في الجنة من الحور العين، والقصور الشامخة، وجميع أنواع الملاذ، والنعيم المقيم، والخير العميم. هذا؛ والعندية عندية تكريم، وتشريف، وتعظيم. وقال الجمل: أي: لهم ما يشاؤونه من جلب المنافع، ودفع المضار في الآخرة، لا في الجنة فقط، كما أن بعض