للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥)}

الشرح: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} أي: حل بهم العذاب الموعود على ألسنة الرسل، عليهم الصلاة والسّلام، وهو كبهم في النار. {بِما ظَلَمُوا} أي: بسبب التكذيب، وقد ظلموا أنفسهم به، حيث كان شؤمه عليهم. {فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ} أي: بحجة تدفع عنهم العذاب، وقيل: يختم على أفواههم، فلا ينطقون، وقد ذكرت لك فيما مضى مرارا: أن الكفار في مواطن يتكلمون، وفي مواطن لا يتكلمون يوم القيامة.

هذا؛ والقول يطلق على خمسة معان: أحدها: اللفظ الدال على معنى. الثاني: حديث النفس، ومنه قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ}. الثالث: الحركة، والإمالة، يقال:

قالت النخلة؛ أي: مالت. الرابع: ما يشهد به الحال، كما في قوله تعالى: {قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ}.

الخامس: الاعتقاد، كما تقول: هذا قول المعتزلة، وهذا قول الأشاعرة، أي: ما يعتقدونه.

وانظر شرح الكلام في الآية رقم [١٠٩] من سورة (المؤمنون) أو [٣٥] من سورة (الروم).

الإعراب: {وَوَقَعَ:} الواو: حرف عطف. (وقع): فعل ماض. {الْقَوْلُ:} فاعله. {عَلَيْهِمْ:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا.

{بِما:} الباء: حرف جر. (ما): مصدرية. {ظَلَمُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. و (ما) المصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة: {فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ} معطوفة على ما قبلها، وإعرابها مثل إعراب: {فَهُمْ يُوزَعُونَ}.

{أَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦)}

الشرح: {أَلَمْ يَرَوْا..}. إلخ: أي: ألم يعلموا علما يقينا لا شك فيه: أن الله سبحانه وتعالى قد جعل الليل للهدوء، والاستقرار بالنوم، والراحة. {وَالنَّهارَ مُبْصِراً} أي: جعل النهار مبصرا؛ أي: جعلنا شمسه مضيئة للإبصار. فيكون المعنى مبصرا فيه بالضوء؛ لأن النهار لا يبصر، بل يبصر فيه، فهو من إسناد الحدث إلى زمانه، فهو مجاز عقلي، مثل: ليله قائم، ونهاره صائم.

{إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: بتقلب الليل، والنهار، واختلافهما. {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: لعلامات، ودلالات على قدرة الله تعالى، فيهتدوا بذلك إلى الإيمان بالحشر، والنشر، وبعثة الرسل؛ لأن تعاقب الظلمة، والنور على وجه مخصوص غير متعين بذاته، لا يكون إلا بقدرة قادر قاهر، وأن من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادة واحدة؛ قدر على إبدال الموت بالحياة في مواد

<<  <  ج: ص:  >  >>