الذي أحل بهم النوازل، وأنا فاعل لذلك الذي تنسبونه إلى الدهر في زعمكم. وقيل: معنى يؤذون الله: يلحدون في أسمائه، وصفاته. وقيل: هم أصحاب التصاوير. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لعن الله المصوّرين». وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«قال الله عز وجل: ومن أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرّة، أو ليخلقوا حبة، أو شعيرة». متفق عليه. وقيل: هو على حذف مضاف، التقدير: يؤذون أولياء الله. كما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال الله تعالى: «من آذى لي وليا؛ فقد آذنته بالحرب». وقال تعالى: «من أهان لي وليا؛ فقد بارزني بالمحاربة». ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله تعالى، وارتكاب معاصيه، ذكر ذلك على ما يتعارفه الناس بينهم؛ لأن الله تعالى منزه عن أن يلحقه أذى من أحد.
وأما إذاية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهي كل ما يؤذيه من الأقوال، والأفعال أيضا، أما قولهم:
فساحر، شاعر، كاهن، مجنون. وأما فعلهم: فكسر رباعيته، وشجّ وجهه يوم أحد، وهذا ما كان منهم في المدينة، وأما فعلهم بمكة؛ فكثير، منه: إلقاء السلى على ظهره صلّى الله عليه وسلّم وهو ساجد، إلى غير ذلك. وفي هذه الأيام كل من يدعي محبة الرسول، ولا يهتدي بهديه، ولا يعمل بسنته؛ فهو مؤذ للرسول صلّى الله عليه وسلّم.
الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محلّ نصب اسمها. {يُؤْذُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون... إلخ، والواو فاعله.
{اللهَ:} منصوب على التعظيم. {وَرَسُولَهُ:} معطوف على ما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {لَعَنَهُمُ:} فعل ماض، والهاء مفعول به. {اللهَ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر: {إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ..}. إلخ ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها على الوجهين. {فِي الدُّنْيا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {وَالْآخِرَةِ:} معطوف على ما قبله. وجملة: {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً} معطوفة على جملة: {لَعَنَهُمُ..}. إلخ فهي في محل رفع مثلها.
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اِكْتَسَبُوا فَقَدِ اِحْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨)}
الشرح: قيل: إن الآية الكريمة نزلت في علي-رضي الله عنه، وكرم الله وجهه-كان بعض المنافقين يؤذونه، ويسمعونه كلاما يؤذيه. وقيل: نزلت في شأن عائشة، رضي الله عنها. وقيل:
نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء؛ إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيتبعون المرأة، فإن سكتت تبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء، ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة؛ لأن زيّ الكل كان واحدا، تخرج الحرة