للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني: الذين هم في العذاب الدائم، {وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ} يعني: الذين هم في النعيم المقيم، ثم أتبعه بقوله تعالت حكمته: {أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ} ومعلوم: أن من جعل له النعيم المقيم؛ فقد فاز فوزا عظيما. انتهى. خازن.

وفي الكشاف: هذا تنبيه للناس، وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم، وقلة فكرهم في العاقبة، وتهالكم على إيثار العاجلة، واتباع الشهوات كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة، والنار، والبون العظيم بين أصحابها، وأن الفوز مع أصحاب الجنة، فمن حقهم أن يعلموا ذلك، وينبهوا عليه، كما تقول لمن يعق أباه: هو أبوك، تجعله بمنزلة من لا يعرفه، فتنبهه بذلك على حق الأبوة؛ الذي يقتضي البر، والتعطف، وقد استدل أصحاب الشافعي-رحمه الله تعالى-بهذه الاية على أن المسلم لا يقتل بالكافر، وأن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر، وانظر شرح {يَسْتَوِي} في سورة (الحديد) رقم [١٠] وشرح {أَصْحابُ} في سورة الواقعة [٩٠]. هذا؛ وفحوى هذه الاية مثل قوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [١٠٠]: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} وفي سورة (السجدة) رقم [١٨]: {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} وفي سورة (ص) رقم [٢٨]: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ،} وفي سورة (الجاثية) رقم [٢١]: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ} وفي سورة (ن) [٣٥]: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {لا:} نافية. {يَسْتَوِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {أَصْحابُ:} فاعله، وهو مضاف، و {النّارِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ:} معطوف على ما قبله. {أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ} انظر إعراب مثلها في الاية رقم [٩].

{لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)}

الشرح: {لَوْ أَنْزَلْنا..}. إلخ: أي: لو خلقنا في الجبل عقلا، وتمييزا، كما خلقنا للإنسان، وأنزلنا عليه هذا القرآن بوعده، ووعيده: لخشع، وخضع، وتشقق، خوفا من الله تعالى، ومهابة له. وهذا تصوير لعظمة قدر القرآن، وقوة تأثيره، وأنه بحيث لو خوطب به جبل-على شدته وصلابته-لرأيته ذليلا متصدعا من خشية الله. والمراد منه: توبيخ الإنسان بأنه لا يتخشع عند تلاوة القرآن، بل يعرض عما فيه من عجائب، وعظائم. فهذه الاية في بيان عظمة القرآن، ودناءة حال الإنسان. والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه، وعدم تأثره بهذا الذي لو أنزل على

<<  <  ج: ص:  >  >>