للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كَذلِكَ:} الكاف: حرف تشبيه وجر، و (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما بعده، التقدير: يضل الله... إضلالا مثل هذا الضلال.

{يُضِلُّ اللهُ:} مضارع، وفاعله. {مِنْ:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. {هُوَ:} مبتدأ. {مُسْرِفٌ:} خبر أول. {مُرْتابٌ:} خبر ثان، والجملة الاسمية صلة الموصول لا محل لها. هذا؛ والآية بكاملها من مقول الرجل المؤمن، والجملة الأخيرة تحتمل أن تكون من مقول الله تعالى، فتكون مستأنفة، أو معترضة في آخر الكلام. والأول أولى.

{الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ (٣٥)}

الشرح: {الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ} أي: الذين يدفعون الحق بالباطل، ويجادلون الحجج بغير دليل، وحجة معهم من الله تعالى. والمراد: فرعون، ومن على شاكلته من الضالين الفاسدين المفسدين في كل زمان، ومكان. {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ:} مقت الله تعالى ذمه لهم، ولعنه إياهم، وإحلال العذاب بهم. وانظر الآية رقم [١٠]. {وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} أي: والمؤمنون يبغضون من هذه صفته. هذا؛ والفعل {كَبُرَ} محول إلى صيغة فعل التي هي للذم هنا، وتكون للمدح أيضا، كقوله تعالى: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} وانظر رقم [٥٥].

{كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ..}. إلخ: أي: كما ختم الله على قلوب هؤلاء المجادلين، كذلك يختم بالضلال على قلب كل متكبر عن الإيمان، متجبر على العباد، حتى لا يعقل الرشاد، ولا يقبل الحق. وإنما وصف القلب بالتكبر، والجبروت؛ لكونه مركزهما، ومحلهما، وهو سلطان الجوارح، والأعضاء، فمتى فسد؛ فسدت كلها، ومتى صلح؛ صلحت كلها، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت؛ صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه؛ ألا وهي القلب». أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي عن النعمان بن بشير-رضي الله عنهما-. وهذا الشرح لا يصح إلا على قراءة: «(قلب)» واعتبار (متكبر) صفة له، وهو على هذا يحتاج إلى تقدير محذوف، التقدير: على كل ذي قلب متكبّر، فتجعل الصفة لصاحب القلب. أو التقدير: يطبع الله على كلّ قلب على كلّ متكبر، فحذفت كل الثانية لتقدم ما يدل عليها، وإذا لم يقدر كل لم يستقم المعنى؛ لأنه يصير معناه: أنه يطبع على جميع قلبه، وليس المعنى عليه، وإنما المعنى: أنه يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين قلبا قلبا، ومنه قول جارية بن الحجاج الإيادي: [المتقارب]

أكلّ امرئ تحسبين امرأ... ونار توقّد باللّيل نارا

<<  <  ج: ص:  >  >>