للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ (٣٣)}

الشرح: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ} أي: لو شاء الله لأسكن الرياح، وأوقفها، فتبقى السفن سواكن، وثوابت على ظهر البحر لا تجري. ومن المعلوم: أنّ هذا كان في الأيام الخالية يوم كانت السفن تعتمد على الهواء في سيرها، وجريها، أما في أيامنا هذه، فإن السفن تعتمد على البخار في جميع حركاتها. هذا؛ وركد الماء ركودا: سكن، وكذلك الريح، والسفينة، والشمس إذا قام قائم الظهيرة، وكل ثابت في مكان فهو راكد. هذا؛ والمراد:

ب‍: (يظللن) الاستمرار، كما في قوله تعالى في سورة (الشعراء) حكاية عن قول قوم إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ}. هذا؛ وقد تحذف إحدى اللامين؛ إذا اتصل الفعل بضمير رفع متحرك، مثل قوله تعالى حكاية عن قول موسى على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام للسامري: {وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً} وانظر سورة (الحجر) رقم [١٤].

{إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: في تسيير السفن بواسطة الريح. {لَآياتٍ:} لدلالات على قدرة الله تعالى، وتوحيده. {لِكُلِّ صَبّارٍ:} كثير الصبر على البلاء، وعلى الطاعات، وعن المعاصي، والمنكرات. {شَكُورٍ:} كثير الشكر لله على نعمه، وآلائه. قال قطرب: نعم العبد الصبار الشكور؛ الذي إذا أعطي؛ شكر وإذا ابتلي؛ صبر. قال عون بن عبد الله: فكم من منعم عليه غير شاكر، وكم من مبتلى غير صابر.

وقال أبو حيان: وإنّما ذكر السفن الجارية في البحر، لما فيها من عظيم دلائل القدرة، من جهة: أنّ الماء جسم لطيف شفاف، يغوص فيه الثقيل، والسفن تحمل الأجسام الثقيلة الكثيفة، ومع ذلك جعل الله تعالى في الماء قوة يحملها بها، ويمنعها من الغوص، ثم جعل الرياح سببا لسيرها، فإذا أراد أن ترسو؛ أسكن الرياح، فلا تبرح عن مكانها. انتهى. صفوة التفاسير.

الإعراب: {إِنْ:} حرف شرط جازم. {يَشَأْ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى الله، والمفعول محذوف: تقديره: إن يشأ الله إيقاف السفن. والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية، ويقال لأنّها جملة شرط غير ظرفي. {يُسْكِنِ:} فعل مضارع والفاعل يعود إلى الله.

{الرِّيحَ:} مفعول به، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب‍: «إذا» الفجائية، و {إِنْ} ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. {فَيَظْلَلْنَ:}

الفاء: حرف عطف، وسبب. (يظللن): فعل مضارع ناقص مبني على السكون، ونون النسوة اسمه. {رَواكِدَ:} خبره، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثله. {عَلى ظَهْرِهِ:} متعلقان ب‍: {رَواكِدَ،} والهاء في محل جر بالإضافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>