للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهداء فالله هو الّذي يقبض أرواحهم بقدرته، كيف يشاء، ولا يسلّط على أرواحهم ملك الموت. والثّاني: أنّ جميع الأنبياء قد غسّلوا بعد الموت، وأنا أغسّل بعد الموت، والشّهداء لا يغسّلون، ولا حاجة لهم إلى ماء الدّنيا. والثّالث: أنّ جميع الأنبياء قد كفّنوا وأنا أكفّن، والشّهداء لا يكفّنون، بل يدفنون في ثيابهم. والرابع: أنّ الأنبياء لمّا ماتوا سمّوا: أمواتا، وإذا متّ قالوا: مات، والشّهداء لا يسمّون أمواتا. والخامس: أنّ الأنبياء تعطى لهم الشّفاعة يوم القيامة، وشفاعتي أيضا يوم القيامة، وأمّا الشّهداء فإنّهم يشفعون كلّ يوم فيمن يشفعون». انتهى قرطبي.

الإعراب: {يَسْتَبْشِرُونَ:} فعل مضارع، وفاعله، والجملة الفعلية فيها أوجه: أحدها: أنّها مستأنفة، والثاني: أنّها توكيد للأولى، وإليه ذهب الزمخشري، والبيضاوي. والثالث: أنّ الفعل بدل من الأول. {بِنِعْمَةٍ:} متعلّقان بما قبلهما. {مِنَ اللهِ:} متعلقان ب‍ (نعمة) أو بمحذوف صفة له.

{وَفَضْلٍ:} معطوف على سابقه، ({أَنَّ}): حرف مشبه بالفعل. {اللهِ:} اسمها. {لا:}

نافية. {يُضِيعُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى الله. {أَجْرَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {الْمُؤْمِنِينَ:} مضاف إليه مجرور، والجملة الفعلية في محل رفع خبر ({أَنَّ}). و ({أَنَّ}) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل جرّ معطوف على نعمة، هذا ويقرأ بكسر همزة ({أَنَّ}) على أن الجملة الاسمية في محل نصب حال من لفظ الجلالة، والرابط: الواو: وإعادة الاسم الكريم بلفظه. وقيل: مستأنفة لا محلّ لها.

{الَّذِينَ اِسْتَجابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاِتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢)}

الشرح: {الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ:} لبّوا نداء الرسول صلّى الله عليه وسلّم حين دعاهم للخروج بعد غزوة احد. هذا؛ و {اِسْتَجابُوا} بمعنى: أجابوا، فليست السين، والتاء للطلب، مثل قوله تعالى في سورة (البقرة): {الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً} فإنه بمعنى: أوقد، ومنه قول كعب بن سعد الغنوي من قصيدة يرثي فيها أخاه شبيبا، ومن أبياتها الشاهد رقم [٧٢٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]

وداع دعا من ذا يجيب إلى النّدى... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

أي: يجبه عند ذاك مجيب. {مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ} انظر الآية رقم [١٤٠]. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} أي: العمل، وعملوا بما يرضي الله. هذا وروي: أن أبا سفيان، وأصحابه لمّا قفلوا راجعين بعد غزوة أحد، ونالوا من المسلمين ما نالوا، فبلغوا الرّوحاء؛ ندموا، وهمّوا بالرجوع إلى المدينة؛ ليستأصلوا المسلمين قبل أن يستعيدوا قواهم، فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك، فندب

<<  <  ج: ص:  >  >>