للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)}

الشرح: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} أي: كل ما يدب على وجه الأرض، من إنسان، وحيوان، وهوام، وغير ذلك. هذا؛ ويقرأ: «(والله خالق كلّ دابة)» {مِنْ ماءٍ} أي: من نطفة، وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا، ولا يدخل فيه الملائكة والجن؛ لأنّا لم نشاهدهم، وقيل: إن أصل جميع الخلق من الماء، وذلك أن الله خلق ماء، فجعل بعضه ريحا ونورا، فخلق منه الملائكة، وجعل بعضه نارا، فخلق منه الجن، وجعل بعضه طينا، فخلق منه آدم.

{فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ:} كالحيات، والديدان، والحيتان، ونحو ذلك، وسمي الزحف على البطن مشيا على الاستعارة، أو المشاكلة لما بعده. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ:} كبني آدم، والطير إذا مشى على الأرض. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ:} كالبهائم، والسباع، قال النقاش: إنما اكتفى في القول بذكر ما يمشي على أربع عن ذكر ما يمشي على أكثر؛ لأن جميع الحيوان إنما اعتماده على أربع، وهي قوام مشيه، وكثرة الأرجل في بعضه زيادة في خلقته، لا يحتاج ذلك الحيوان في مشيه إلى جميعها.

هذا؛ و {دَابَّةٍ} تشمل من يعقل، وما لا يعقل، فغلب من يعقل لما اجتمع مع من لا يعقل؛ لأنه المخاطب، والمتعبد، ولذلك قال: {فَمِنْهُمْ،} وقال: {مَنْ يَمْشِي} لأن الأصل أن تكون (من) للعاقل، و (ما) لغير العاقل، وقد يعكس هذا فتستعمل (من) لغير العاقل كما في هذه الآية، وتستعمل (ما) للعاقل كما في الآية رقم [٦] من سورة (المؤمنون) وهي قوله تعالى:

{إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وذلك قليل، وأكثر ما تكون (ما) للعاقل إذا اقترن العاقل بغير العاقل في حكم واحد، كما في الآية رقم [٤٩] من سورة (النحل)، وهي قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ..}. إلخ، وقوله سبحانه: {يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} الآية رقم [١] من سورة (الجمعة)، وكذلك الآية رقم [١] من سورة (الحديد)، ورقم [١] من سورة (الصف)، فإن كل ما في السموات والأرض ممن يعقل، وما لا يعقل قد اقترنا في حكم واحد، وهو السجود والتسبيح، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ} ويكون في الكلام تغليب، كما تستعمل في المبهم أمره كقولك، وقد رأيت شبحا من بعد: (انظر إلى ما أرى) و (من، وما) تكونان بلفظ واحد للمفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر والمؤنث.

{يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ:} ما ذكر، وما لم يذكر، بسيطا أو مركبا على اختلاف الصور في الأعضاء، والهيئات، والحركات، والطبائع، والقوى، والأفعال مع اتحاد العنصر بمقتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>