هذا؛ والحق ضد الباطل، قال الراغب: أصل الحق المطابقة، والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على الاستقامة، والحق يقال لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولذلك قيل في الله تعالى: هو الحقّ. وللموجود بحسب مقتضى الحكمة، ولذلك يقال: فعل الله كله حقّ، نحو: الموت، والحساب، والميزان، والصراط... إلخ. وللاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، نحو اعتقاد زيد في الجنة حق. وللفعل، والقول الواقعين بحسب ما يجب وقدر ما يجب في الوقت الذي يجب، نحو: قولك حق، وفعلك حق. ويقال: أحققته؛ أي: أثبتّه حقا، أو حكمت بكونه حقا. انتهى. بغدادي. وانظر شرح الباطل في الآية رقم [٢٧].
الشرح:{قُلْ:} هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أي: قل يا محمد لأهل مكة. {ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي: لا أطلب منكم أجرا على القرآن الذي أتلوه عليكم، أو على التبليغ الذي أسديه إليكم، وإنما أبتغي بذلك وجه الله-عز وجل-والدار الآخرة. {وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} أي: من الذين يتصنعون، أو ينتحلون، أو يتحلّون بما ليسوا من أهله، وما عرفتموني قط متصنعا، ولا مدعيا بما ليس عندي؛ حتى أنتحل النبوة، وأتقوّل القرآن. وكل من قال شيئا من تلقاء نفسه؛ فقد تكلف.
عن مسروق-رحمه الله تعالى-قال:«دخلنا على عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-فقال:
أيها الناس! من علم شيئا؛ فليقل به، ومن لم يعلم؛ فليقل: الله أعلم، فإنّ من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ»}.
أخرجاه في الصحيحين، وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«للمتكلّف ثلاث علامات: ينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال، ويقول ما لا يعلم».
{إِنْ هُوَ} أي: القرآن. {ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ:} عظة بالغة للعالمين: الإنس، والجن العقلاء دون الملائكة؛ لأنهم يخافون ربهم، ويفعلون ما يؤمرون، ولا يعصونه أبدا. هذا؛ والضمائر الثلاثة بقوله:(عليه، إن هو، نبأه) المراد بها القرآن، وهي عائدة على غير مذكور، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٢] بهذا الصدد.
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ:} خبره. {بَعْدَ حِينٍ:} قال قتادة: بعد الموت، وقاله الزجاج. وقال ابن عباس، وعكرمة، وابن زيد-رضي الله عنهم أجمعين-: يعني: يوم القيامة. وكان الحسن البصري -رحمه الله تعالى-يقول: يا بن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين. وسئل عكرمة عمن حلف ليصنعن كذا إلى حين. قال: إن من الحين ما لا تدركه، كقوله تعالى:{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ومنه ما تدركه، كقوله تعالى:{تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها} من صرام النخل إلى طلوعه ستة أشهر،