للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك وكثير من الناس، وباع أهل مصر في سني القحط الطعام في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق معهم شيء منها، وفي الثانية بالحلي والجواهر، وفي الثالثة بالدواب والمواشي كلها، وفي الرابعة بالعبيد والإماء حتى استولى عليها كلها، وفي الخامسة بالدور والعقارات، وفي السادسة بأولادهم وذراريهم، وفي السابعة برقابهم حتى استرقهم جميعا، وهذا هو معنى التمكين الذي ذكره الله في الآية السابقة، ثم أعتق أهل مصر، ورد عليهم أموالهم، وأملاكهم، وكان لا يبيع لأحد من الممتارين أكثر من حمل بعير، وأصاب أرض كنعان ما أصاب مصر من القحط والجدب. وذاع أمر يوسف عليه السّلام في الآفاق للينه، وعطفه، ورحمته، ورأفته، وعدله، وسيرته.

-فقال يعقوب عليه السّلام لبنيه: بلغني: أن بمصر ملكا صالحا يبيع الطعام، فتجهزوا له واقصدوه لتشتروا منه ما تحتاجون إليه من الطعام، وأمسك عنده بنيامين أخا يوسف لأمه وأبيه، وأرسل عشرة مع كل واحد منهم بعير، فذلك قوله تعالى: {وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ..}. إلخ.

الإعراب: {وَلَأَجْرُ}: الواو: واو الحال. اللام: لام الابتداء. (أجر): مبتدأ، وهو مضاف، والآخرة مضاف إليه، {خَيْرٌ}: خبر المبتدأ. {لِلَّذِينَ}: متعلقان بخير. {آمَنُوا}: فعل وفاعل، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، تقديره: (بالله) والجملة الفعلية صلة الموصول. (كانوا):

ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، وجملة: {يَتَّقُونَ} مع المفعول المحذوف في محل نصب خبر (كان) وجملة: (كانوا...) إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها، والجملة الاسمية: (لأجر...) إلخ في محل نصب حال من أجر المحسنين، والرابط: الواو فقط، هذا؛ وقد قال الجمل: اللام واقعة في جواب قسم، وهو يعني أن الواو حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، التقدير: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم، والجملة الاسمية: (لأجر...) إلخ جواب هذا القسم، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له، والاعتبار الأول أولى. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

{وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)}

الشرح: {وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ}: فيه حذف كلام كثير، انظر ما ذكرته في الآية السابقة، وهذا من اختصار القرآن المعجز. {فَدَخَلُوا عَلَيْهِ}: وهو على سرير الملك، وفي هيبته وجلاله، وحوله الخدم، والحشم. {فَعَرَفَهُمْ}: أنهم إخوته واحدا واحدا، ولم ير بينهم أخاه بنيامين.

{وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} أي: لم يعرفوه؛ لأنهم باعوه صبيّا، ولم يقع في خلدهم أنه بعد العبودية يبلغ إلى تلك الحال من العزة والمكانة ورفعة الشأن مع طول المدة، وهم أربعون سنة، بل واعتقدوا هلاكه وموته؛ ولذا لم يخطر على بالهم في وقت من الأوقات: أنه حي على وجه الأرض، أما

<<  <  ج: ص:  >  >>